Tuesday, 26 April 2011

وطني الذي ينام

عنوان القصيدة : وطني الذي ينام
للشاعر :بيان الصفدي
القسم : سوريا
تستطيع مشاهدة القصيدة ى العنوان التالي :
http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=80243
 

من ظلمة السجن أنظر يا حبيبتي 
قطعة من السماء تلمع من كوة الزنزانة 
قطعة من السماء 
لا تكفي لرؤية الشمس 
وغيوم الصيف الهاربة 
قطعة من السماء تلوّح لي وتبكي 
وأنا ألوّح لها وأبكي 
دموعي تتدحرج 
وتسيل على الجدران 
تمحو وتكتب في الظلمة 
وهكذا يا حبيبتي 
ركلة السجان 
وجدائل أمي المعلقة على الجدار 
وصيحات القتلة 
ترسم ظلنا الكبير 
ظل مقبرة تسمى الوطن 
الوطن الذي نحبه كما نحب القبلات 
الوطن الذي نكرهه ونلعنه 
ونطلب منه المغفرة 
الوطن المجنون منفوش الشعر 
والمملوء بالوحل والجثث والسياط 
ومكبرات الصوت 
الوطن الهادىء كعيني فلاح 
البسيط كالأطفال 
المشوَّه كالأشلاء 
النائم كالثور 
والمتيقـِّظ كالعقاب 
الوطن المرسوم في الجرائد 
نسنده كالكسيح 
الوطن الذي نبكيه ويبكينا 
وهو يسير متعثـِّراً كالشيخ 
ممسكاً بعكازه.. مقوس الظهر 
تحت المطر والعمارات ودواليب الحظ 
الوطن الكريم كالشجرة 
والبخيل كالجبل الأجرد 
الوطن الكبير كالحلم 
والضيق كصرخة في سرداب 
الوطن الجميل كالأراجيح 
القبيح كوجوه القتلة 
الوطن النظيف كالحقيقة 
والقذر كثوب القصاب 
وطني الذي أنحني أمامه 
كما أنحني أمام أمي 
وأدير له ظهري وأكيل له الشتائم 
وطني الذي أفر منه 
وأجده بين أوراقي 
يشير إلي بعينيه الدامعتين 
يفتح ذراعيه ويقول لي: 
يا ولدي! 
وأفتح ذراعيّ وأقول له: 
يا وطني! 
ودائماً دائماً 
بعد الحب والكراهية 
بعد الشتائم والمدائح 
نلتقي ونتعانق 
كأننا قبلُ لم نلتق ِ 
أيكي ويبكي 
يمسح دموعه بمعطفي 
وأمسح دموعي بأشجاره 
ثم يتكوّم كاليتيم في زاوية.. 
تحت درج 
في مركب مهجور 
في زنزانة ضيقة 
على ركبة فتاة 
على صدر رجل 
يجمع في صُرّته الدموع والصرخات 
رسائل الحب والغضب 
وبعيداً.. 
بعيداً.. 
بعيداً.. 
عني وعنكم 
يتكوَّم كاليتيم في زاوية 
وينام! 

1982

من شعر الأبنودى

من شعر الأبنودى

احنا اللى بنهون الأيام ومافيها
واحنا اللى بنلون سواد لياليها
الصبر يامهموم
اهرب من الذكرى
مين اللى قال اليوم مافيش وراه بكرة
وقلبك الموجوع داويه بالضحكة
خلى دموعك شموع تكشف لك السكة
حاجات كبيرة كنا نحلمها واللى بنحلم بيه تملى بعيد
تجرى العباد تلاعبها أحلامها والدنيا صاحية فى انتظار العيد
دنيا بتدى ساعات وساعات مابتخليش
وحلاوة الضحكة كتير مابتحليش

رسائل الحب

لا تكتب لي رسائل حب بعد اليوم لأنني لن أنشرها! لا

تفتتني بحامض قلم ينسكب من السطور على طرف قلبي. لا تقلْ

لي إنك تحبني، فأنت أداة القدر في مؤامرة محكمة لإذلالنا معاً.

أحببتك بين ضحكة وأخرى من ضحكاتي، ونسيتك بين ميتة

وأخرى من ميتاتي...

ولن أعيد إليك رسائلك.

فالبحر لا يعيد دوماً إلى البر غرقاه.

غادة السمان

أتذكر أيامى معك

أتذكر أيامي معك

كمن يرى الأشياء عبر نافذة قطار مسرع :

نائية وجميلة

والقبض عليها مستحيل

من وقت إلى أخر

فلنعد أطفالا

ولنحزن بلا كبرياء زائف

يوم احتضر

سافكر بتلك اللحظة المضيئة

حين وقفنا في الظلمة

على شرفة القرار

وقلت لي بحقد : أحبك

سأتذكر صوتك

وسيجيء الموت عذبا

ويضمني كرحم الفرح المنسي

وسأهمس بحقد مشابه :

آه كم أحببتك !

غادة السمان

Thursday, 21 April 2011

العدو خلف السراب

العدو خلف السراب


تزيد المسافات بيني وبينك

تخبو الملامح شيئا.. فشيئا

وتغدو مع البعد بعض الظلال

وبعض لأتذكر.. بعض الشجن

ويغدو اللقاء بقايا من الضوء

تبدو قليلا.. وتخبو قليلا..

وتصغر في العين

تسقط في الأفق

ترحل كالعطر

تغدو خطوطا بوجه الزمن..

فماذا سنحكي..

وكل الملامح صارت ظلالا

وكل الذي"كان" أضحى خيالا

وأصبحت أنت الزمان البعيد

أعود إليه.. فيبدو محالا

تزيد المسافات بيني وبينك يخبو البريق

ويحملني الشوق ألقي بنفسي على شاطئيك

فأرجع منك.. وبعضي حريق..

وأسأل نفسي على أي درب سألقاك يوما

وقد صار وجهك في كل درب يطوف بعيني

طريق أشد الرحال إليه.. فيهرب مني

طريق أعود غريبا عليه.. فيسأل عني..

طريق يداعبني من بعيد

فأجري إليه ويصرخ.. دعني..

على أي درب سألقاك يوما

وفي أي درب ستصرخ حزنا دماء البريء..

فأنت الزمان الذي قد يجيء

وأنت الزمان الذي لن يجيء

وأنت الصباح الذي ضاع في العين

بين الرحيل.. وبين المجيء

فحينا يسافر.. حينا يغامر

ويسقط عمري بين الرحيل.. وبين المجيء..

* * *

تزيد المسافات بيني وبينك أسكن عينيك

أبني جدارا من الحلم حولك

أحميك من يأس حلمي

وأبني قصورا على شاطئيك

لأنا نعيش زمانا كئيبا

أخبئ حلمي في مقلتيك

لأنا سقطنا على الدرب خوفا

وبعثرنا العمر خلف الفضاء

وصرنا رياحا.. و ظلا.. وعطرا

وصرنا سحابا.. يطوف السماء

وصرنا دموعا على مكل عين

وفي كل جرح غدونا دماء

فكنا الخطيئة كنا الهداية

كنا مع اليأس.. بعض الرجاء..

* * *

وتبقى المسافات بيني وبينك سدا يبعثر أحلامنا..

لأنا نسير على غير درب

ونمشي وندرك أن الخطا قد تهاوت

وأن الطريق يجافي القدم

فما عاد في الدرب غير الألم..

فهل من زمان.. يعيد الطريق لأقدامنا

وهل من زمان يلملم بالصبح أشلاؤنا

تعبنا من العدو خلف السراب

وذقنا زمانا بأحزانا

ونمضي مع العمر حلما طويلا

وتغدو المسافات هما ثقيلا

ومازلت أمضي و أمضي إليك

وإن كان عمري يبدو قليلا
..............................................
فاروق جويدة

و اعطنا حبنا كفاف يومنا




حين أفكر بفراقنا المحتوم

" يبكي البكاء طويلا ويشهق بالحسرة"

بالحسرة بالحسرة بالحسرة ،،،

أية قوة جهنمية تشدني اليك

وأرفض التصديق انها تنبع من خارجي

وأرفض أن يقال

انه القدر يرميني اليك ...

أنا أنقذف نحوك

كوكبي يرتطم بكوكبك

أنا اخترتك

أنـــــــا ؟

أم انني لست حرة حقاً

وخيوط لا مرئية تعبث بقدري وقدرك

وبعد أن كان قطار حياة كل منا

يمضي بهدوء على سكته

تتقاطع السكك فجأة

ونرى بوضوح

أنه لا مفر من لحظة الاصطدام

والانفجار والاحتراق والدمار

وربما دمار من حولنا

ولكن

أحبك !!

لا تحدثني عن البارحة

ولا تسلني عن الغد

وربنا أعطنا حبنا كفاف يومنا

وقل لريح الفرح أن تعصف بنا

ولصواعقه أن تضربنا

دون أن تقتلنا ..

واعطنا حبنا كفاف يومنا

وكل صباح هو يوم جديد

وليس في حبنا مسلمات ولا تقاليد

وكل يوم تختارني وحدي من بين نساء العالم

وآخذك من بين رجاله

وكل يوم تاريخ مستقل بذاته

وكل ما تملكه مني ومن نفسك

هو " اللحظة "

فلنغزها بكل حواسنا

لأن الفراق واقف خلف الباب

ويد الحزن ستقرعه ذات ليلة

سنسمعه حزينا ومهيمنا كجرس كنيسة

وستدوي أصداؤه في أرجاء روحنا المكسورة ..

مادام الفراق

ضيفنا الثقيل الذي لا مفر من حلوله

تعال

ولننس كل شيء عن كل شيء

إلا " اللحظة " ... وأنا وأنت ،،،

أيها الشفاف النابض

كلهب شمعة ...

إرم من يدك قبضة خنجرك

وخذ بيدي ..

ومد جسورك إلى لحظتي

وقل لأحلام الحب الأزلي

لا نريد غداً ولا رشاوي مستقبلية ..

نحن سكان مدن الريح والموج

كل منا جسده مدينته ...

وليحتلني جرحك

ولتنحدر دموعك من عيوني ..

إلى داخل شرايينك هاجرت

واستوطنت تحت جلدك

وصار نبضك ضربات قلبي

ولم أعد أميز بين الخيط الأبيض والأسود !

وكان جسدك بحراً

وكنت سمكة ضالة ...

ولم أكن لأعبث بك

فأنا أعرف أن من يلعب بالحب

هو كمن يلعب التنس بقنبلة يدوية ! ..

ثمينة هي لحظاتنا

كل لحظة تمضي هي شيء فريد

لن يتكرر أبداً أبداً

فأنت لن تكون قط كما كنت في أية لحظة سابقة

ولا أنا ..

كل لحظة هي بصمة أصبع

لا تتكرر ...

كل لحطة هي كائن نادر وكالحياة

يستحيل استحضاره مرتين ...

أحد مثلي يستمتع بالحب

لأنه لا أحد مثلي يعرف معنى العذاب

لقد مررت بمدينة الجنون

وأقمت بمدينة الغربة

وامتلكتني مدينة الرعب زمناً

واستطعت أن اغادرها كلها من جديد

إلى مدينة الحياة اليومية المعافاة ..

ولكنني خلفت جزءاً مني

في كل مدينة مررت بها

وحملت جزءاً منها في ذاتي

وأنت كلما احتضنتني

احتضنت الجنون والغربة والرعب

ويدهشك أن ترتعد حين تكون معي ؟..

،،،

تعال يا من اجتاحني كالانتحار

وهيمن على حواسي كساحر ..

واعطنا حبنا كفاف يومنا ...
..................................................................

 ..غادة السمان

زمن آخر



يخيل إلي ــ وأنا أتفقد الناس ــ أنني لا أشبه الزمن الذي أتفقد الناس فيه
‏…………‏
أتخيل انني قادم من زمن
كان الناس فيه
يغسلون وجوههم بالألفة
وأن ملامحي‏..‏ التي تشير إلي
لاتشبه الشخص الذي يخصني
‏..‏ ربما لأن الناس الذين أتفقدهم
لايفتقدون أحدا‏..‏
ولا أعتقد أنه كان مهيبا
كما يعتقد الذين
لايحبون الزمن الذي يعيشون فيه
لأن البشر الذين جئت من صلبهم
كانوا يمشون علي أطراف أصابعهم
وهم في طريقهم إلي المقابر
وكانوا غير معنيين بالإضاءة
التي أغرقت الذين أتفقدهم الآن
‏…………‏
يخيل إلي‏..‏
أن الشوارع هذه
تخص آخرين
لاتعرف من هم؟
ويضيع عمرك وأنت تقطعها
لكي تشعر انك
تعيش في زمنك
‏…………..‏
البطولة‏..‏
ينقصها حب كبير
كان موجودا في زمن ما
خال من الحروب الصغيرة
وكان الفلاحون فيه
يتوضأون بالندي
ليتغلبوا علي الزمن
‏……………‏
يخيل إلي أن الحياة
أصبحت أكبر من الأحياء
وربما ــ لهذا السبب ــ
اختفت الحدائق‏..‏
التي كان هناك أناس
يحملونها معهم
وهم في طريقهم إلي الخضرة
وهم في طريقهم إلي الفطرة
وهم في طريقهم
إلي الله

القاهرة‏13‏ سبتمبر‏2010‏
 ابراهيم داوود

ذكاء المشاعر

ذكاء المشاعر
كتبت : ابتهال سالم

تري‏..‏ ماذا تفعل عندك الآن؟ هل تراني؟ أتشعر بمساحة الفقد التي تركتها منذ رحيلك؟ ماذا فعلت بي؟ مازلت أري عينيك تضحكان وانت تقف فاردا ذراعيك لاستقبالي‏:‏ ـ كنت أفكر فيك قبل مجيئك بخمس ثوان وكأنما أستدعيك
‏أضم كفيك بقوة وأجلس مرددة‏:‏
ـ إنك فعلا تستدعيني‏,‏ فقد حلمت بك ليلة أمس وكأنما تناديني‏.‏
يروح ويجيء في المكان الضيق الذي اضطر للوجود فيه بعد أن تزوج وأنجب بنتا وولدا‏..‏ مكتبة صغيرة اضطر للعمل فيها بعد أن شاخت سنينه‏.‏
لكن روحه الشابة‏,‏ كانت دوما مغادرة‏..‏ هناك حيث البحر البعيد والبلاد الغريبة‏.‏
ركب البحر منذ صغره وطاف وجال وأبحر شرقا وغربا فوق أسطح المراكب وعاد كما رحل حافيا‏,‏ خالي الوفاض إلا من متعة وخبرة وخيال‏.‏
بحار هو‏..‏ يبحر داخل وجدان البشر‏,‏ يعرفهم من عيونهم‏,‏ يمس قلوبهم‏,‏ فتفيض أرواحهم متآلفة معه منذ أول لقاء‏.‏
بحار هو‏..‏ في المعرفة‏,‏ أبحر داخل الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية والتصوفية والسينما والمسرح والشعر و‏..‏كان ببساطة يعشق البحر والمعرفة‏.‏


هكذا عرفته وهكذا تآلفت معه سريعا ولم نفترق‏..‏ من الجائز أن تبعدنا المسافات‏,‏ لكن أرواحنا تظل قريبة دافئة‏,‏ فرحة باللقاء بعد غياب‏.‏
روي البحر بذرة الإبداع لديه‏,‏ فأضحي فنانا‏,‏ يكتب أشعارا ويصمم بأصابعه الرفيعة‏,‏
الدقيقة‏,‏ تصميمات ورقية وجلدية وعرائس وعلب هدايا وحقائب يد و‏..‏ وغيره‏..‏ وبيديه المعروفتين يضخ الحركة فيها‏,‏ فتبدو وكأنها كائنات حية متدفقة بالحياة‏.‏
كنت أزوره في مكتبته المحندقة الصغيرة‏,‏ أنتقي بعض التصميمات‏,‏ وأختار صورا بديعة‏,‏ وكان في كل مرة يهديني علبة مزخرفة من صنع يديه ولايتقبل ثمنها‏.‏
اختار لي مرة‏,‏ أراجوزا يرتدي رداء السوبر مان وقال لي مبتسما‏:‏
ـ إنه أراجوز هذه الأيام
هززت رأسي مرددة‏:‏
ـ كلنا ياعزيزي‏,‏ أضحينا أراجوزات في زمن السوبر مان‏.‏
انتقيت في آخر زيارة له‏,‏ عروسة علي شكل ساحرة‏,‏ عجوز ماكرة‏,‏ أنفها طويل وعيناها كثقبي إبرتين وشعرها منكوش وتمسك مكنسة طويلة تصل الي قمة قبعتها المدببة فوق رأسها‏.‏
يسألني ضاحكا‏:‏
ـ لديك عرائس متنوعة‏,‏ أجمل من تلك القبيحة
وأقول له‏:‏
ـ إن في القبح جمالا أحيانا‏,‏ ثم انني أحتاجها لأنها تشبه شخصية في روايتي الجديدة‏,‏ شخصية ساحرة عجوز يصيبها مرض النسيان فتخطيء في تركيباتها السحرية وتسبب مصائب‏.‏
يضرب كفا بكف صائحا‏:‏
ـ مجنونة‏!‏
أدق بقدمي علي الأرض‏:‏
ـ أنت المجنون‏!!‏
يهز رأسه ضاحكا‏:‏
ـ طبعا‏..‏ أنا لا أصاحب إلا المجانين أمثالي
أهدأ‏..‏ فأقول‏:‏
ـ أتصدق‏..‏ حين أقابل شخصا يدعي أنه عاقل‏,‏ أعرف أنه بدون شك مجنون‏..‏ يضحك عاليا‏..‏ يقف فجأة‏:‏
ـ تشربي شاي؟
وقبل أن أجيب‏,‏ يأخذني من ذراعي علي أقرب مقهي‏,‏ ليطلب اتنين شاي كشري‏,‏ سكر بره وواحد معسل والشيشة التفاح التي أحبها‏.‏
وهكذا‏..‏ نجلس سويا‏..‏ نحتسي الشاي ونثرثر مع حلقات الدخان‏..‏ كان شرها في تدخين السجائر العادية والمحشوة أحيانا ولايقبل نصائح أو مواعظ فكنت أتركه بحريته واكتفي بمجالسته‏..‏ نضحك‏..‏ نبكي‏..‏ ننم في خلق الله‏..‏ نقطع فروة فلان‏,‏ ونبارك مزايا فلان وندردش في آخر كتب قرأناها أو فيلم شاهدناه‏..‏ وتدور حلقات الدخان مع دوائر الكلام والزحام وسارينات العربات وأبواق البواخر الراحلة الي البلاد الغريبة ووميض الفنار الذي يأتينا من بعيد‏.‏
وظللنا نتقابل ونفترق‏,‏ نتقابل ونفترق الي أن طال الغياب لسنوات‏..‏ عدت بعدها لأجده كورقة هشة جالسا في ركن المكتبة فوق كرسي بلا ظهر وبين يديه كتاب مفتوح‏.‏
عرفني من خطوتي‏,‏ رفع رأسه‏:‏
ـ حمدا لله علي السلامة‏,‏ أتيت في الوقت المناسب‏,‏ كنت أحتاجك
وكأنما تبدل‏..‏ برزت عظام وجهه‏,‏ سقط شعره وتاهت ابتسامته في سحنته الضعيفة الغريبة‏.‏
اقتربت منه متسائلة‏:‏
ـ مابك؟
وبنصف ابتسامة رد‏:‏
ـ لاشيء‏..‏ متعب فقط‏..‏ وما هي إلا أيام وأعود لحالتي تأملته صائحة‏:‏
ـ لكنك تبدو ضعيفا للغاية وواهنا
هز رأسه‏:‏
ـ هكذا أنا‏..‏ حينما أخرج من جلسة الكيماوي وكأنما لدغتني حية‏,‏ فسري سمها في جسدي وشلني عن الحركة
صرخت‏:‏
ـ جلسة كيماوي‏..‏ أهي العبارة هكذا‏...!‏ ولماذا لم تبلغني؟ ليس لديك عذر‏...‏ عندك رقم تليفوني ولم تتصل بي‏...‏ كيف جرؤت علي إخفاء الأمر عني‏...‏ لم يحدث أن أخفينا شيئا عن بعضنا من قبل
تنهد تنهيدة متأسية‏:‏
ـ لم أشأ أن أزعجك
درت حول نفسي‏,‏ أخذت نفسا طويلا حتي أتماسك‏,‏ أسندت ظهري علي الحائط البارد‏,‏ شاردة‏:‏
آه‏...‏ لازلت أشم رائحة الكيماوي والمخدر والتعقيمات والملاءات البيضاء‏,‏ وأري لهاث الأطباء والممرضين والوجوه النحيلة للمرضي والشعور المتساقطة والعيون الحزينة وثقل الخوف الذي يملأ المكان‏.‏
لما طال الصمت‏..‏ اقتربت منه‏,‏ ربت علي كتفه بحنو‏,‏ محاولة التخفيف عنه‏,‏ لونت صوتي بمرح مصطنع وقلت ساخرة من الموقف برمته‏:‏
ـ إياك أن تفعلها وتموت ياصاحبي‏,‏ لن أغفر لك أبدا
ضحك كعادته‏..‏ أمسك يدي الباردة‏,‏ أجلسني بجواره‏..‏ غير الموضوع كعادته‏,‏ فهو لايطيق الألم أو الحديث عنه‏.‏
قدم لي كتابا مفتوحا بين يديه قائلا‏:‏
ـ تعرفي‏...‏ أنا أقرأ كتابا اسمه ذكاء المشاعر‏.‏ رفعت حاجبي مندهشة‏,‏ وقبل أن أتفوه بكلمة‏,‏ قال‏:‏
ـ ذكاء القلب‏..‏ كيف تكون المشاعر دليلك إلي الحب والجمال‏,‏ كيف تثقين في إحساسك‏,‏ كيف توجهين مشاعرك في الاتجاه الصائب‏.‏
هذا ما قرأته من سطور حتي الآن‏..‏
أغلق الكتاب‏,‏ وضعه فوق رف قريب‏,‏ قائلا‏:‏
ـ سأعيرك إياه بعد انتهائي من قراءته‏,‏ سوف يفيدك في التعرف علي عالم المشاعر‏.‏ داعبته‏:‏
ـ مالك انت والمشاعر‏,‏ ياراجل لقد تخطينا الخمسين وأضحت ابنتك طولك‏,‏ وابنك أطول منك‏.‏
ضحك‏:‏
ـ المشاعر لاعلاقة لها بالسن‏.‏
هززت رأسي مرددة‏:‏
ـ قصر ديل‏...‏ معقولة اني أحب واتحب في سني هذا‏..‏ وأصبح ابني رجلا يملأ هدومه ومقدما علي زواج‏.‏
وبعمق البحر ومداه‏,‏ مست كلماته قلبي‏,‏ حين همس لي قائلا‏:‏
ـ إذا كنت أنا أحبك‏..‏
ارتبكت‏...‏ رددت متجنبة النظر إليه‏:‏
ـ أعرف أنك تحبني‏,‏ أتريد أن تكون بيننا تلك العشرة الطويلة ولاتحبني‏!‏
أشعل سيجارة‏..‏ أخذ نفسا قويا‏,‏ نفخ دخانا في وجهي قائلا‏:‏
ـ اسمعي الكلام‏...‏ لاتتعبيني‏,‏ لما أقول إني أحبك‏...‏ فهذا يعني اني أحبك‏..‏ تنهدت مغتاظة‏:‏
ـ انت تقول كلاما ساخرا كعادتك‏,‏ أتسخر مني؟ أم أنك تريد أن ترفع روحي المعنوية ليس أكثر‏..‏ سعل سعالا متقطعا‏,‏ وبلهجة حاسمة ألجمتني‏,‏ قال‏:‏
ـ قلت لك اني أحبك‏..‏ أحببتك منذ زمن مضي ولم أجرؤ علي المكاشفة‏,‏ ورحل كل منا بعيدا عن الآخر‏,‏ لكن حنيني إليك كان يشدني ويلقيني عند مرساك كلما سنحت الفرصة‏..‏ لا تسأليني كيف حدث ذلك ولماذا؟ فأنا نفسي لا أدري‏!‏
وقفت فجأة‏..‏ صائحة بغضب‏:‏
ـ أتبوح لي بحبك الآن وأنت علي وشك‏..‏
نظرت في عينيه‏..‏ فتوقفت عن الكلام‏.‏
أمسك يدي‏...‏ أجلسني‏...‏ ربت علي كتفي بحنو‏:‏
ـ لاتخافي‏...‏ لن أموت‏...‏ فأنا أحب الحياة مثلما أحب البحر وعينيك‏..‏ أعدك‏..‏ لن أموت‏..‏
والآن‏...‏ أضع سماعة الهاتف‏..‏ مصدومة بخبر موته‏..‏ غير مصدقة أني لن أراه‏..‏ لن أسمع صوته‏..‏ لن أشاهد ضحكة عينيه أو أنصت إلي حكاويه الساخرة‏,‏ أخلف وعده ورحل‏..‏ وتركني‏..‏ موجوعة بفقده ومغتاظة أسأله‏:‏
ـ تري ماذا تفعل عندك الآن؟ هل تراني؟
‏----------------------------‏
صدر لها ثلاث مجموعات قصصية‏:‏ هي النورس ودنيا صغيرة و نخب اكتمال القمر وثلاث روايات هي نوافذ زرقاء التي فازت بالمركز الثالث في مسابقة أدب الحرب‏1998‏ كما صدر لها صندوق صغير في القلب والسماء لاتمطر أحبة كما قامت بكتابة وترجمت سبع قصص للأطفال وترجمت بعض أعمالها إلي عدة لغات منها الانجليزية والفرنسية والألمانية والايطالبة وحصلت علي منحة كروائية للمحاضرة في جامعة واشنطن عام‏2005‏ وحصلت علي منحة كروائية في منتجع لافيني بسويسرا عام‏2005.‏

انشـــــراح

كتب - مكاوى سعيد:
بقدر ما كانت تبدو انشراح فتاة عادية لكنها أحيانا تبدو جميلة وملفتة للانتباه بجسدها الضئيل ومفاتنها الصغيرة المتناسقة مع مقاييسه‏ ‏ووجهها البسيط المريح الصافى الذى لم تلوثه الكريمات ولا ندوب الشباب والابتسامة التى تلازمها والتى لم أرها تفارقها إلا نادراً‏.


وكنت مدرسا خاصا لأريج, ابنة سيدة ثرية أرستقراطية تقيم بالزمالك كانت في نهائي الثانوية العامة.. شقية عابثة لا مبالية وكانت تجهدني وتضنيني في تعليمها.. وكان الأجر كبيرا والحفاوة التي تستقبلني بها السيدة رغم تحفظها تخجلني.. كان لسان أريج معوجا بتأثير تعليمها الأجنبي لا تقبل ولا تتقبل ولا تعي دروس اللغة العربية ونصوصها الجاهلية, فما بالك بآيات القرآن الكريم التي أدرسها إياها ضمن النصوص المقررة.. وكثيرا ما كانت أريج تقاطعني وتخاطب أمها بالفرنسية ويتبادلان حوارا يبدو لي حادا ثم تطلب مني أمها بابتسامة تجاهد أن تبدو رقيقة أن أسمح لأريج بقضاء حاجة ما لبضع دقائق.. يختفيان فتدخل انشراح بشاي.. بقهوة.. كرواساه أو ساليزون ونتبادل بضع كلمات.. أسألها عما تفعله أريج بالداخل مع أمها.. فتبتسم ولا ترد.. أطلب منها الجلوس فترفض.. كانت تقترب من أوائل العشرينات وكنت أكبرها ببضع سنوات.. رغم إشراقها وبسمتها الدائمة كان هناك أسي عميق في حدقتيها.. واحترت في تفسيره..
كان يقابلني في الدخول والخروج مدرسون خارجون أو داخلون وكنت أكثرهم حضورا لهذه الفيللا بسبب لكنة أريج العربية المتردية.. شيئا فشيئا بدأت انشراح تعتاد علي وتتكلم معي خاصة في فترات انتظاري خروج مدرس ما أو بناء علي طلب أريج بعض الراحة بين الدروس.. لم أعرف أشياء كثيرة عنها سوي أنها مطلقة أما عن السبب, فقد أجابت باقتضاب: نصيب..
ثم علمت بعد ذلك أن مدة زواجها لم تدم أكثر من عامين.. كان موظفا بسيطا بالإضافة إلي عمله وكيلا لصاحبة الفيللا في إدارة بعض ممتلكاتها.. ألح في الزواج منها وكان أصلح المتقدمين.. طلبت مني أن أعلمها القراءة والكتابة فضحكت, المرة التالية ناولتني مظروفا به بضعة جنيهات ورجتني أن أقبلها ثمنا للدرس.. ضحكت أكثر وأعدت إليها المظروف وأنا أعدها بأنني سوف أعلمها قريبا.. علمت مني أني أعزب, وأظن أنها أخبرت سيدتها بذلك لأنها أقبلت علي ذات مرة بطبق مملوء بالمحشي وطبق آخر من الكشك وغلفتهما أمامي, ثم وضعتهما في كيس بلاستيك وقدمتهما إلي أمام السيدة.. فبدا علي الشعور بالإهانة لأن السيدة ابتلعت بسمتها ونهرت انشراح بشدة فاختفت من أمامي متعثرة في خطواتها, وعقب خروجها بقليل سمعت صوت أطباق تتكسر في المطبخ بينما سيدتها تعتذر لي عن جهلها وقلة ذوقها..
في يوم تال قدم لي المشروبات صبي,سألت السيدة عنها, فقالت: في المطبخ.. أخبرتها بأني لست زعلانا منها وأني ندمان وأشعر بأني كسرت بخاطرها وألححت عليها بأن تبلغها اعتذاري وتعيدها لتقوم بالخدمة كسابق عهدها.. سكتت السيدة وهي تتأملني لكن في المرة التي تلتها وجدت انشراح تقدم لي القهوة بوجه محايد وكانت هذه من المرات القليلة التي اختفت فيه البسمة من وجهها.. وظلت واقفة عن بعد بجوار الستارة المسدلة ترقبني حتي انتهيت من ارتشاف قهوتي.. تعمدت ألا تواجهها عيناي ولا أن أخاطبها.. أخذت الفنجان من أمامي وانسحبت متلكئة..
اقتربت مواعيد الامتحان وزاد عدد المدرسين الداخلين والخارجين.. وطالت استراحتي بداخل الفيللا منتظرا ولم أعترض, لأنهم زادوا لي قيمة الحصة عندما شكوت من انتظاري الطويل فقد كانت الحصص الأخري تزيد في زمنها علي حساب اللغة العربية التي ليست بنفس الأهمية بالنسبة للعلوم الأخري في رأيهم.. اقتربت مني انشراح أكثر وتقربت إليها كثيرا, وعندما شاهدتها مصادفة في الشارع تشتري بعض الاحتياجات مرتدية بنطلونا مثيرا وتي شيرت( أعتقد أنه من مخلفات أريج) كانت تبدو كفتيات الطبقة الراقية بشعرها المسترسل وجسدها الضئيل الفاتن, أخبرتني أنها مطلقة بعد زيجة استمرت عامين لكنها لم تخبرني السبب كالعادة, ثم عاتبتني لأنني رفضت أن آكل من صنعة يديها فاعتذرت بأني لم أعلم أنها صنعته من أجلي.. لم يكن صعبا علي أن أصطحبها إلي غرفتي الصغيرة فوق سطح أحد البيوت القديمة ببولاق.. عدت ببعض الكفتة والطرب فوجدتها قد قلبت الغرفة رأسا علي عقب وجعلتها شيئا مختلفا وجميلا.. كما مسحت أرضية الحمام البلدي ودعكته بالبوتاس فأصبح يغري حتي بالنوم عليه.. كانت قد أصرت أن تطبخ لي ورفضت بشدة فالبيت ليس به أية مواد تموينية ولست علي استعداد لأن أحضرها ولا أستخدمها مرة أخري.. استمعت إليها بشغف وهرموناتي تتدفق شوقا.. حكت لي عن طفولتها التي لا تتذكر منها الكثير في بورسعيد مع أب يعمل في الصيد, كان هو كل أسرتها بعد وفاة أمها أثناء ولادتها.. وكانت تساعده علي المركب الذي يقيمان فيه بعمل الشاي وشي السمك وتتبيله.. حتي اندلعت الحرب بغتة فاقتادها الأب إلي عدة مدن وقري متنقلين أكثر من مرة حتي وصلا إلي القاهرة.. ومال صاحب لأبيها كان قد تعرف إليه ورأف بحاله وهو يري طفلة في التاسعة من عمرها تنام كل ليلة خلف نصبة المقهي في شتاء القاهرة القارس. أرشده الصديق إلي السيدة الثرية التي عاملتها بطيبة وجعلتها مسئولة ما مع المربية عن أريج التي كانت في سنتها الأولي آنذاك..
عندما أبعدت يدي في أول الأمر بلطف.. وعندما ابتعدت ولزمت آخر موضع بالكنبة البلدي.. وعندما كنت أنتهز فرصة استرسالها في اجترار الذكريات وأكسب مساحات جديدة اقترابا منها.. وعندما كانت تحكي لي عن زوجها الطيب الحنون الذي اختارته لها السيدة وعاشت معه أحلي سنتين من عمرها.. والذي عندما تأخر حملها وذهبا أكثر من مرة لأكثر من طبيب ولأكثر من معمل تحليل واكتشف الزوج عقمه النهائي.. رفض الزوج أن يستمر الزواج وأقنع أمه التي كانت أكثر منه طيبة بذلك.. وكيف أنها بكت وصرخت وأقسمت له بأنها لا تريد أطفالا بل تريد قضاء بقية عمرها بين تراب قدميه.. لكنه أصر علي تطليقها ورغم أنها توسلت لأمه التي احتضنتها وربتت عليها بيد حانية.. إلا أن الزوج أصر وهو يقبلها علي رأسها علي أن يقول إنه يحبها جدا ولن يتحمل أي مشكلات مستقبلية بخصوص الأولاد وانه يدرك بتجربته بعد مشورة الأطباء انه لن ينجح في جعلها تنجب كما لن ينجح مهما فعل في جعلها تنسي غريزة الأمومة.. ثم طلقها بالثلاثة.. عادت إلي سيدتها كارهة للحياة وللناس ولمولدها الشؤم ولغريزة الأمومة.. ثم خفضت صوتها وأرخت جفنيها وهمست: لحد ماشفتك وكلمتك..
عادت هرموناتي مرة أخري للحياة بعد أن أخمدتها المأساة والرغي, فقلت المساحات بيننا واحتضنتها وقبلتها بقوة.. دفعتني برفق ثم بعصبية فاندهشت.. بقيت عاجزا عن الكلام فترة وأنا أرقبها تسحب الإيشارب وترتدي حذاءها بعجالة وتجذب حقيبتها الشمواه الفاخرة المتآكل وبرها من إحدي الجوانب.. كنت أسمع صدي صوت تعثرها بالباب الخشبي الذي يفصل السطح عن درج البيت وأسمع وقع أقدامها وهي تهرول هابطة الدرج.
بدأت أفتقدها عندما يحين درسي ولا ألمحها.. وبدأت ارتاب في النظرات التي توجهها إلي سيدة الفيللا وهل هي عادية أم ماكرة أم تضمر شرا؟.. حتي عندما تحامقت وسألت أريج عنها... نظرت إلي البنت المفعوصة نظرة طويلة ثم أهملتني واستمرت في تلاوة النص الشعري.. سألت نفسي كثيرا: أأعتذر عن تدريسي لأريج وأتخلي عن مكافأته المجزية؟ أأسأل عنها صاحبة الفيللا مباشرة وبلا مواربة وليكن ما يكون؟.. أو أن أتحمل الأمر بصمت وأسكت تماما؟.. وفعلا اخترت ذلك, حتي انتهت أريج من امتحانها وذهبت لأخذ مستحقاتي.. قابلتني سيدة الفيللا في صالونها الخاص وقدمت لي بعض الشيكولاته وهي تخبرني بابتسامة أن مصححي المدرسة قد بشروها بتفوق أريج, ثم أعطتني مستحقاتي مع نفحة مالية طيبة.. كنت علي شبه يقين بأنها لن تستعين بي مرة أخري لذا تجرأت وسألتها عن انشراح.. حدقت في برهة ثم تناولت قطعة الشيكولاته وقالت لي وهي تنزع ورقها وتقضم منها قضمة: الدكاترة مانعيني من الشيكولاته.. لكن واحدة مش هاتضر.
تمنيت لها السلامة وأنا أنظر إليها أستحثها علي الكلام... بعد أن كورت الورقة وأوصلتها لأقل حجم ممكن ثم ألقتها بإهمال في منفضة السجائر, قالت: تحت في المطبخ.. عايزها تنضف لك أودتك تاني. تأكدت من أن انشراح قد قالت لها كل شيء.. دخلت في صلب الموضوع طالبا الزواج من انشراح شارحا ظروفي الصعبة بالقاهرة وظروف أهلي في الريف ببنها.. طلبت مني أن أحضر أهلي ونتمم الزواج.. رجوتها ألا تذكر أمام أهلي أن انشراح كانت متزوجة قبلي.. أو أنها تعمل عندها.. ابتسمت باستخفاف, ثم قالت بحدة: بس مش هاتكتب في القسيمة إنها بكر.. قلت: طبعا إحنا هانكتب هنا الأول وبعدين أهلي يحضروا الفرح.. تزوجت انشراح وسط فرح بسيط علي السطح حضره زملائي المنتقون وأهلي وبعض الجيران, وأتت السيدة في نهاية الليلة ومنحت انشراح مبلغا كبيرا من المال.. في ليلة الدخلة اكتشفت أن انشراح بكر رشيد لم يفضها أحد.. كان جسدها جسد طفلة في السادسة عشرة ورائحته مثيرة.. وادركت مأساة زوجها السابق وهو عاجز أمام هذا الجسد الملتهب سنتين كاملتين, وحمدت الله أنه لم يفضها بيده بعنف العاجز بل تركها بطيبة في سلام... أشهر قليلة بعد الزواج لم ألمها علي احتفاظها بصورته في محفظتها الصغيرة.. كنت كثيرا ما أتأمل صورته وشبابه القوي وأتفحص حدقتيه لعلي أحرك حزنه الساكن في الأعماق..
كنت آنذاك أعمل عملا إضافيا كمصحح في جريدة مسائية وبدأت أنشر فيها بعض المقالات والأشعار, ثم توالي النشر في صحف ومجلات أخري وفي بلاد عربية بعيدة وقريبة. وصرت أشارك في مؤتمرات داخلية وخارجية فاستقلت من التدريس وتفرغت لمهنة لم تكن في حسباني وشهرة غير متوقعة في المحيط الثقافي, وصرت من نجوم التليفزيون والفضائيات كمحلل نقدي للمسرح والشعر.. تبدل بنا المكان والزمان وإن كنت لاأزال أذكر كيف كانت تعطرني وتعيد ضبط الكرافتة.. مازلت أذكر لمساتها لخصلة شعري وتحسسها لخلفية الشعر التي بحاجة لتهذيب.. الدعوات الطيبة غير مستقيمة اللغة التي كانت تنهال بها علي كلما خرجت من الشقة وتوصلني بها حتي دخولي في المصعد, والتي نالت بسببها التعنيف واللوم والزجر لكن لا فائدة.. محاولاتها الدائمة مناقشتي عما قلته بالتليفزيون وهي عاجزة عن فهمه أو إدراكه وقلة صبري معها.. مازلت أذكر كيف أجبرتها علي إجهاض طفلنا الأول بحجة أنني غير قادر علي الصرف عليه.. لم أعلمها الكتابة والقراءة ولم ألتفت لها وهي تسهر بجواري جالسة علي الأرض وأنا أكتب علي المنضدة العالية.. تهرع لإحضار الشاي والقهوة.. تشعل لي سيجارتي.. تقبل خلسة الصحف التي نشرت صوري.. تحتفظ في درج خاص بكل مسودة ألقيت بها.. إذا ما سألتها عن شيء.. أحضرته إلي.. أمد يدي إلي قذاراتي ومهملاتي أبحث عما فقد مني.. ثم آمرها بإلقاء هذه الزبالة في الصندوق.. وإذا ما لاحظت شرودي وزوغان عيني بحثا عن شيء.. عادت إلي بدرجها فوجدت المهملات زادت ولم تنقص شيئا ووجدت ما أبحث عنه.. إذا ما نمت صحوت عليها تقبل جسدي كله.. كم دفعتها كثيرا من فوق السرير إلي الأرض.. لم تغب عنها ابتسامتها أبدا, حتي بعد إجهاضها الأول كادت عيناها تقولان لي:- أنت ابني لا أحتاج لآخر!
غيرت حياتها وذائقتها السمعية.. صارت تحضر لي أشرطة حليم وفيروز وتسمعها معي.. تعلمت كتابة بعض الحروف عند جارتنا فبطشت بها.. لم أكن أتصور أن يعلم أحد في البناية الفاخرة بأن زوجتي جاهلة.. وصرت أستعد لهجرة المكان..
في ليلة صافية بعد ما أدركت أنني قسوت عليها كثيرا, لم أعتذر لها لكن سألتها عما تعلمته من حروف لدي الجارة.. ابتسمت ابتسامة لا توصف وهرعت لإحضار كشكولها الرخيص وقلمها الرصاص وانتحت بعيدا عني, ثم جاءت إلي ووقفت كالتلميذة الخائفة وكشكولها خلف جسدها تكبله بيدها.. اختطفت الكشكول ضجرا.. فوجدت الصفحة البيضاء منقوشة بأحرف غير متساوية المقاييس وبها جملة صغيرة واحدة' أنا أحبك' سألتها ساخرا: جارتنا علمتك المسخرة دي.
أجابت بنفس الخجل الذي واجهتني به وأنا أفضها لأول مرة: هي علمتني الحروف وازاي أقرا بس.
ناولتها الكشكول بإهمال.
ثم ماتت انشراح!
سيدة الفيللا قتلتها.. قالت لها ألا تخبرني بحملها الثاني حتي يكبر في بطنها, وأخبرني الطبيب: الإجهاض في الشهر الخامس خطر وجسدها لا يتحمل..
ضغطت علي يدي وقالت لي: متأسفة.. خليه يعمل العملية أنا مش خايفة.
هي التي قتلتها ولست أنا!
.. تزوجت وأنجبت... ولم تؤثر في دعوات سيدة الفيللا.. ونسيت انشراح كثيرا لكن كلما أعجزتني فكرة وأعيت خيالي.. عدت إلي حقيبتها الكبيرة التي كانت تخفي بها مسوداتي ومهملاتي.. لم أجرؤ علي التخلص من هذه الحقيبة بعد موتها.. أغلقتها واحتفظت بها وأقسمت بأني لن أفتحها أبدا.. حنثت بقسمي كثيرا ولم أصم ولم أتحلل من قسمي ولم أتخلص منها.. وأوصيت المحامي بأن يدفن الحقيبة معي في مقبرتي التي بها رفات انشراح لا في مقابر أسرة اللواء الذين اقترنت بهم.

Wednesday, 13 April 2011

يأس



عندما تفقد الكلمة معناها
عندما تتكلم فلاتسمع نفسك
ويكون صراخك الصمت
ويكون العرى فضيلة والفضيلة عيبا
عندما يكون دواؤك الصبر
عندما تصطدم دموعك بجدار العمى
عندما تنزل دموعك دون ارادة عند دعوة متسول لايعرفك ولاتعرفه
عندها
يتساوى الموت مع الحياة

Tuesday, 12 April 2011

الأمس

الأمس
كان لي بالأمـس قلـب فقضى
و أراح الناس منه و اسـتراحْ
ذاك عهد من حياتي قد مضى
بين تشبيب و شكوى و نواحْ
إنـّما الحـبّ كنجـم في الفضـا
نوره يمحـى بأنوار الصبـاحْ
و سرور الحبّ وهم لا يطول
و جمـال الحــبّ ظلّ لا يقيمْ
و عهود الحـبّ أحــلام تزول
عندما يسـتيقـظ العقـل السليمْ
كم سهرت الليل و الشوق معي
ســاهر أرقبــه كي لا أنامْ
و خيال الوجد يحمي مضجعي
قائلاً : "لا تدن ! فالنوم حرامْ"
و سقامي هامس في مسمعي :
"من يريد الوصل لا يشكو السقامْ"
تلك أيام تقضـّـت ، فابشري
يا عيوني ، بلقا طيف الكرى
و احذري ، يا نفس ، ألا تذكري
ذلك العهـد و ما فيـه جرى
كنت أن هبـّـت نسيمات السحرْ
أتلوّى راقصـاً من مرحــي
و إذا ما ســكب الغيــم المطــرْ
خلتــه الراح فأمــلا قدحــي
و إذا البدر على الأفق ظهــرْ
و هي قربي صحت :"هلاّ يستحي!"
كلّ هذا كان بالأمس ، و ما
كان بالأمس تولـّى كالضبابْ
و محا السلوان ماضيّ كما
تفرط الأنفاس عقداً من حبابْ
يا بني أمي إذا جاءت سعادْ
تسأل الفتيان عن صبّ كئيبْ
فاخبروها أنّ أيـّـام البعــادْ
أخمدت من مهجتي ذاك اللهيبْ
و مكان الجمر قد حلّ الرمادْ
و محا السلوان آثار النحيبْ
فإذا ما غضبتْ لا تغضبوا
و إذا ناحت فكونوا مشفقينْ
و إذا ما ضحكتْ لا تعجبوا
إن هذا شأن كل العاشقينْ
ليت شعري ! هل لما مرّ رجوعْ
أو معادٌ لحبيبٍ و أليفْ ؟
هل لنفسي يقظة بعد الهجوعْ
لتريني ماضيّ المخيفْ ؟
هل يعي أيلول أنغام الربيعْ
و على أذنيه أوراق الخريفْ
لا ، فلا بعث لقلبي أو نشور
لا ، ولا يخضرّ عود المحفل ِ
و يد الحصـّـاد لا تحيي الزهور
بعد أن تبرى بحدّ المنجل ِ
شاخت الروح بجسمي و غدتْ
لا ترى غير خيالات السنينْ
فإذا الأميال في صدري فـَـشـَـتْ
فبعكـّـاز اصطباري تستعينْ
و التوتْ مني الأماني و انحنتْ
قبل أن أبلغ حدّ الأربعينْ
تلك حالي فإذا قالتْ رحيلْ
ما عسى حل به ؟ قولوا : الجنونْ
و إذا قالت : أيشفى و يزولْ
ما به ؟ قولوا : ســتـشـفيه المنونْ
جبران خليل جبران

ماذا يقول ملك الموت

 
(( اللهم انك سلط علينا عدوا عليما بعيوبنا يرانا هو وقبيلة من حيث لانراهم اللهم يائسة منا كما يائسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطه من عفوك وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك))
بسم الله الرحمن الرحيم
يابن ادم أتدري ماذا يقول ملك الموت وأنت على خشبة الغسل ؟
ينادي عليك
و يقول ..
يا ابن آدم أين سمعك ما أصمّك ..
أين بصرك ما أعماك ..
أين لسانك ما أخرسك ..
أين ريحك الطيّب ما غيّرك ..
أين مالك ما أفقرك ..
فإذا وُضِعْتَ في القبر نادي عليك الملك ..
يا ابن آدم جمعت الدنيا أمْ الدنيا جمعتك..
يا ابن آدم تركت الدنيا أمْ الدنيا تركتك..
يا ابن آدم استعددت للموت أمْ المنيّة عاجلتك..
يا ابن آدم خرجت من التراب و عدتَ إلى التراب..
خرجت من التراب بلا ذنب و عدتَ إلى التراب و كلّك ذنوب..
فإذا ما انفض الناس عنك و أقبل الليل لتقضي أول ليلة صبحها يوم القيامة..
ليلة لا يؤذن فيها الفجر ..
لم يقل المؤذّن يومها حي علي الصلاة ..
انتهت الصلاة ..
انتهت العبادات ..
إنّ الذي سيؤذّن فجرها هو إسرافيل ..
أيتها العظام النخرة ..
أيتها اللحوم المتناثرة ..قومي لفصل القضاء بين يديّ الله رب العالمين ..
إن الله يقول: و نُفِخَ في الصور فجمعناهم جمعاً ..
و يقول أيضاً: و حشرناهم فلم نغادر منهم أحداً.
عندما يُقبِلْ عليك ليل أول يوم في قبرك ..
ينادي عليك مالك المُلك و ملك المُلوك يقول لك..
يا ابن آدم رجعوا و تركوك في التراب ..
دفنوك و لو ظلّوا معك ما نفعوك ..
و لمْ يبقَ لك إلا أنا الحيّ الذي لا أموت ..
يا ابن آدم من تواضع لله رفعه و من تكبّر وضعه الله.
عبدي أطعتنا فقرّبناك ..
و عصيتنا فأمهلناك ..
ولو عُدْتَ إلينا بعد ذلك قبلناك !
إنّي و الإنس و الجنّ في نبأ عظيم ..
أخلُقُ و يُعْبَدُ غيري ..
أرزق و يُشكر سواي ..
خيري إلى العباد نازل و شرّهم إليّ صاعد ...
أتحببّ إليهم بنعمي و أنا الغنيّ عنهم ..
و يتباغضون عنّي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ !
من عاد منهم ناديته من قريب ..
ومن بعُدَ منهم ناديته من بعيد ..
أهل الذكر أهل عبادتي ..
أهل شكري أهل زيادتي ..
أهل طاعتي أهل محبتي ..
أهل معصيتي لا أقنّطهم من رحمتي ..
فإن تابوا فأنا حبيبهم فإنّي أحبّ التوابّين و أحب المتطهرين ..
وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ..
أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من الذنوب و المعاصي ..
الحسنة عندي بعشر أمثالها و أزيد ..
والسيئة بمثلها و أعفوا ..
أنا أرأف بعبادي من الأم بولدها...
أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة والثبات يوم الحساب

Friday, 8 April 2011

زيارة الموتى



زيارة الموتى


زرنا موتانا في يوم العيد

وقرأنا فاتحة القرآن، وللمنا أهداب الذكرى

وبسطناها في حضن المقبرة الريفية

وجلسنا، كسرنا خبزاً وشجوناً

وتساقينا دمعاً و أنيناً

وتصافحنا، وتواعدنا، وذوي قربانا

أن نلقى موتانا

في يوم العيد القادم.

يا موتانا

كانت أطيافكم تأتينا عبر حقول القمح الممتدة

ما بين تلال القرية حيث ينام الموتى

و البيت الواطئ في سفح الأجران

كانت نسمات الليل تعيركم ريشاً سحرياً

موعدكم كنا نترقبه في شوق هدهده الاطمئنان

حين الأصوات تموت،

ويجمد ظل المصباح الزيتي على الجدران

سنشم طراوة أنفاسكم حول الموقد وسنسمع طقطقة الأصوات كمشي ملاك وسنان

هل جئتم تأنسون بنا؟

هل نعطيكم طرفاً من مرقدنا؟

هل ندفئكم فينا من برد الليل؟

نتدفأ فيكم من خوف الوحده

حتى يدنو ضوء الفجر،

و يعلو الديك سقوف البلدة

فنقول لكم في صوت مختلج بالعرفان

عودوا يا موتانا

سندبر في منحنيات الساعات هنيهات

نلقاكم فيها، قد لا تشبع جوعاًن أو تروي ظمأ

لكن لقم من تذكار،

حتى نلقاكم في ليل آت.

مرت أيام يا موتانا ، مرت أعوام

يا شمس الحاضرة الجرداء الصلدة

يا قاسية القلب النار

لم أنضجت الأيام ذوائبنا بلهيبك

حتى صرنا أحطاب محترقات حتى جف الدمع الديان على خد الورق العطشان

حتى جف الدمع المستخفي في أغوار الأجفان

عفواً يا موتانا

أصبحنا لا نلقاكم إلا يوم العيد

لما أدركتم انا صرنا أحطاباً في صخر الشارع ملقاة

أصبحتم لا تأتون إلينا رغم الحب الظمآن

قد نذكركم مرات عبر العام

كما نذاكر حلماً لم يتمهل في العين

لكن ضجيج الحاضرة الصخرية

لا يعفنا حتى أن نقرأ فاتحة القرآن

أو نطبع أوجهكم في أنفسنا، و نلم ملامحكم

ونخبئها طي الجفن.

يا موتانا

ذكراكم قوت القلب

في أيام عزت فيها الأقوات

لا تنسونا .. حتى نلقاكم

لا تنسونا .. حتى نلقاكم


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
صلاح عبد الصبور

رسَائِل لم تُكْتَبْ لهَا



1

مَزِّقيها ..

كُتُبي الفارغَةَ الجَوْفَاءَ إنْ تَسْتَلِميها ..

والْعَنِيني .. والْعَنِيْها

كاذباً كنتُ. وحُبِّي لكِ دعوى أَدَّعِيْها..

إنَّني أكتُبُ لللهوِ.. فلا تعتقدي ما جاءَ فيها..

فأنا ــ كاتبهَا المهْوُوُسَ ــ لا أذكرُهُ

ما جاءَ فيها ..

2

إقْذِفيها ..

إقْذِفي تلكَ الرسالاتِ .. بِسَلِّ المُهْمَلاتِ

واحْذَري ..

أنْ تَقَعي في الشَرَكِ المُخْبُوءِ بين الكَلِمَاتِ

فأنا نفسيَ لا أُدركُ معنى كَلِمَاتي..

فِكَري تَغْلي ..

ولا بُدَّ لطُوفان ظُنُوني مِنْ قَنَاةِ..

أَرْسُمُ الحرفَ

كما يمشي مريضٌ في سُباتِ

فإذا سَوَّدتُ في الليلِ تِلالَ الصَفَحَاتِ..

فلأنَّ الحرفَ ، هذا الحرفَ ..

جزءٌ من حياتي

ولأنِّي رِحْلَةٌ سَوْدَاءُ .. في موج الدَوَاةِ

3

أَتْلِفيها ..

وادْفُني كُلَّ رسالاتي بأحشاءِ الوَقْودِ

واحذري أنْ تُخْطِئي ..

أنْ تقرأي يوماً بريدي ..

فأنا نفسيَ لا أذكُرُ ما يحوي بريدي ! ..

وكتاباتي ،

وأفكاري ،

وزَعْمي ،

وَوُعودي ،

لم تكُنْ شيئاً ، فحُبِّي لكِ جُزْءٌ من شُرُودي

فأنا أكتُبُ كالسَكْرانِ ..

لا أدري اتّجاهي وحُدُودي ..

أَتَلهَّى بكِ ، بالكِلْمَة ، تَمْتَصُّ وريدي ..

فحياتي كُلُّها ..

شَوْقٌ إلى حرفٍ جديدِ

ووُجُودُ الحرف من أبسطِ حاجاتِ وُجُودي

هل عرفتِ الآنَ ..

ما معنى بَريدي؟

..............................نزاااااااااااار.........

الله نور السموات والأرض


اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
من سورة النور
لو اردنا التفكر في هذه الايه وادراك معنى وحدود وكيفية نور الله عز وجل لطلبنا المحال
ولدخلنا في طريق عبثي ربما كان له اول ولكنه ليس له اخر
ونور الله كصفاته لان من اسمائه الحسنى النور سبحانه في علاه ...هذه الصفات لا تصل اليها العقول
ولا تدركها المدارك .......وقد امرنا عز وجل ان نتفكر في صفاته وليس في ذاته حتى لا نهلك
حاشى لله ان نزيد على كلامه في وصف نوره ولكني ساتطرق الى موضوع يخص هذه الايه
والايتين التي بعدها
فقد سمعت في احدى الحلقات او الدروس ولا اذكر صاحبها ما اثلج صدري
ومن باب الخوف من كتم العلم حتى لا نلجم بلجام من نار يوم القيامه
جاء في تلك المحاضره :
ان الله سبحانه وتعالى تحدث في هذه الايه عن نوره وما اجمل ما وصف به نوره عز وجل
وجاء هذا الوصف بكلمات واشياء موجوده وتدركها عقول البشر المحدوده
ولكن اين نجد هذا النور العظيم
يقول المحاضر ان من افضل انواع القراءه للقرآن هو الطريقه التي فيها تدبر
والتدبر تأتي من الدبر اي الاخر بمعنى محاولة ربط الاول وبالاخر او ربط الايات ببعضها
وبالتالي فلو نظرنا الى الايه التي تليها لوجدنا هذا التوجيه العظيم والذي يدلنا اين نجد ذلك النور
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )
يا الله ما اروع هذا لقد جاءت الايه مباشرة بعد الحديث عن النور وكيفيته لتدلنا اين نجده
في تلك البيوت بيوت الله التي يذكر فيها اسمه .........اي انك تجد اعظم النور الرباني في تلك المساجد
والحديث عن المساجد والصلاه فيها والسعي لها يطول وليس في مجال بحثنا
وبعدها اخي القارئ تأتي الايه التي بعدها لتضع التساؤل التالي
من هم اصحاب هذا النور والاحرص على نيله والاجدر به انهم من قال فيهم في الايه التي بعدها
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
نعم انهم هؤلاء الرجال الذين تركوا الدنيا وراء ظهورهم ولا يحرصون على تجارتهم ولا على بيعهم اكثر من
حرصهم على ذكر الله
(الا بذكر الله تطمئن القلوب )
فسبحان الله كيف جاء هذا التسلسل وهذا السياق الجميل وكأنه النور يتسرب من خلال المساجد ليصل الى من هم
جديرين به الذين سعوا الى ذكر اذا ما نودي للصلاه
وقد تابعت القراءه لاجد بالايه التي بعدها سبب تركهم للدنيا والسعي للمساجد
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ
نعم هؤلاء الناس اصحاب النور الذين تركوا الدنيا وهبوا الى المساجد فقط لنيل احسن الجزاء
ولنيل الفضل وايضا الرزق وكأن الايه تقول انك يا من تركت الرزق من اجلي
ان الفضل هنا واني انا الله ارزق من أشاء فحتى هناك ذكر لهم الرزق ليقول لهم ان رزقكم مكفول مكفول مكفول
فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
اخي القارئ اذكر نفسي واذكرك بان الرزاق هو الله وأن صاحب الفضل هو الله
وان من يتوكل على الله فهو حسبه ويرزقه كما يرزق الطير فلا ينقص حظك الذهاب الى المساجد
فوالله لو تركنا الدنيا وراء ظهورنا لوجدناها امامنا وأنكم لن تأخذوا الا ما قسم الله لكم
ولوكان بعضكم لبعض ظهيرا
اللهم يا نور يا نور الانوار يا نور السماوات والارض اجعل لنا نورا واجعلنا بفضلك من اصحاب النور
والساعين الى النور واجعلنا يا ربنا ممن قلت فيهم
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )انك على ما تشاء قدير

المراجع :
1: دروس الدكتور احمد الكبيسي
2: دروس الدكتور فاضل السامرائي
3: دروس الامام الشعراوي
وغيرهم من العلماء الافاضل
منقول للفائدة

هروب .. فدوى طوقان



كرهت حقائق دنيا الورى
وهمت بأوهام دنيا الخيال
فما يتصبّاك إلا الرؤى
وسحر الطيوف وسحر الظلال
متى يا ابنة الوهم تستيقظين
متى ينجلي عنك هذا الخيال
أفيقي ، كفاك ، لقد طال مسراك
عطشى وراء سراب الرمال
تعيشين في ذهلة الحالمين
بعيداً بآفاق كون عجيب !
ويملأ روحك في قيده
حنين المشوق وشجو الغريب
ومن فلك الأرض كم تطلقين
خيالك فوق الفضاء الرحيب
يجوز مدار النجوم ويمعن
في اللانهائيات ، عبر الغيوب
قفي ، أين تمضين ؟ فيم اندفاعك ، من ذا ترين بأفق الشرود
وما هذه ؟ رجفة في كيانك ممّا تشدّ عليه القيود
تمرّد روحك في سجنه
يريد يحطّم تلك السدود
ليسمو طليقاً خفيف الجناح
وراء الزمان ، وراء الحدود
قفي ؟ أين تمضين ؟ من ذا ترين
هنالك عبر الفضاء العظيم ؟
وماذا يشوقك ؟ أم من ينادي
ويومئ من شرفات السديم ؟
تمر امامك هذي الحياة
مواكب مختلفات الرسوم
فتلوين وجهك لا تنظرين ..
وفي مقلتيك ظلال الوجوم
ألا كم تهمين في عالم
تناءى بعيداً بعيداً مداه
وفي عمق روحك شوق ملح
جموح لظاه ، عنيف ظماه
تراك هنالك تستلهمين السموات سرّ الردى والحياه
تراك هنالك تستطلعين خفايا الوجود وكنه الإله ؟!
ألست في الارض ؟ فيم انخطافك ؟ فيم انجذابك نحو الاعالي
أأنكرت في الارض هول الفناء ، وظلم القضاء ، وجور الليالي
تراك افتقدت جمال العدالة فيها ، فهمت بأفق الخيال
محيّرة ولهاء ، تنشدين الحقيقة في غامضات المجالي
أراعك في الأرض سيل الدماء وبطش القوى والرزايا الكبر
أراعك فيها شقاء الحياة ؟
اراعك فيها صراع البشر ؟
أمن صرخات القلوب الدوامي
تعضّ عليها نيوب القدر
تلوذين في لهف ضارعٍ . .
بكونٍ تسامى نقيّ الصور
بلى ن هي هذي المآسي الكبار تعذّب فيك الشعور الرقيق
فتنأين عن واقع راعبٍ
الى عالم عبقريّ سحيق . .
هو الوهم ، عالمك الشاعريّ ، المثاليّ ، مسرى الخيال الطليق
توحّدت فيه بأشواقك الحيارى ، بهذا الحنين العميق!

من الأعماق .. فدوى طوقان



سرت وحدي في غربة العمر ، في التيه المعمّى ، تيه الحياة السحيق
لا أرى غاية لسيري . . ولا أبصر قصداً يوفي إليه طريقي
ملل في صميم روحي ينساب ، وفيض من الظلام الدفوق
وأنا في توحّشي ، تنفض الحيرة حولي حولي أشباح رعب محيق
سرت وحدي ، في التيه ، لا قلب يهتزُّ صدى خفقه بقلبي الوحيد
سرت وحدي ، لا وقع خطو سوى خطوي على المجهل المخوف البعيد
لا رفيق ، لا صاحب لا دليل ، غير يأسي ووحدتي وشرودي
وجمود الحياة يضفي على عمري طلّ الفناء . . . طل الهمود
والتقينا . . لم أدر أي قوىً ساقتك حتى عبرت درب حياتي
كيف كان اللقاء ؟ من ذا هدى خطوك ؟ كيف انبعث في طرقاتي
لست ادري لكن رأيتك روحاً يوقظ الشوق في مسارب ذاتي
ويذرّي الرماد عن روحي الخابي ، ويذكي ناري ، ويحي مواتي
حدّقت مقلتاك فيّ ، وآلامي يغشّي ضبابها مقلتيّه
لست أدري ما استجلتاه ولا ما رأتا خلف وحدتي الأبديّه . . .
غير أني أبصرت روحك تهتّز انعطافاً ، في رقة علويّه
وهنا خلتني شعرت بروح الله رفّت من السماء عليّه!
وافترقنا ، و بين كفّي رسمٌ
لم يزل كلّ زاد روحي المتيّم
كم تلمّست عمق عينيك فيه
و بعينيّ أدمعٌ تتضرّم ...
يا لقلبي ، كم راح بين يديه
يهتك الحجب عن هواه المكتّم..
أصغ ، تسمع عبر الصحارى صداه
يترامى إليك شعراً مرنّم !

حياة .. فدوى طوقان



حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر، وعود
حياتي ، حياتي أسىً كلهّا
اذا ما تلاشى غداً ظلّها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشداً :
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر ، وعود
بليل الشجون
وعمق السكون
تمر أمامي كحلم سرى
طيوف أحبّاي تحت الثرى
فتزعج ناري خلف الرماد
ويغرق سيل الدموع وسادي
دموع الحنين
الى راحلين
مضوا وطواهم ظلام اللحود
بقلبي اليتيم
تنادي كلومي
أطلّ بروحك يا والدي
لتنظر من أفقك الخالد
فموتك ذلٌ لنا أيّ ذلّ
ونحن هنا بين أفعى وصل
ونفث سموم
وكيد خصوم
بدنيا العقوق ، بدنيا الجحود
ويبدو خيال
بغفو الليالي
خيال أبي شقّ حجب الغيوب
بعينيه ظلّ شعورٍ كئيب
أراه فتهم له أدمعي
ويحنو علي ويبكي معي
وأدعو : تعال
رحيلك طال
بمن نستظل وانت بعيد!
وفي ليل سهدي
يحرّك وجدي
اخٌ كان نبع حنانٍ وحبّ
وكان الضياء لعيني وقلبي
وهبّت رياح الردى العاتية
واطفأت الشعلة الغالية
وأصبحت وحدي
ولا نور يهدي
ألجلج حيري بهذا الوجود
وهذا شبابي
أمان كوابي
شباب سقاه الأسى ورواه
اذا ما دعته إليها الحياه
وأشواقها ، شدّه ألف غلّ
وطوّقه ألف طوق مذلّ
شباب عذاب
رهين اغتراب
يضيع شذاه بأسر القيود :
واطرق رأسي
بوحشة يأسي
وفي الروح تصخب أشواقها
وفي النفس ترعد آفاقها
وأفزع للشعر سلوة روحي
أصور أشواق عمر ذبيح . .
فيهدأ حسي
وتخشع نفسي
وتسكن لهفة روحي الشريد
وأجذب عودي
لقلبي الوحيد
فتخفق أوتاره باللحون
تهدهد قلبي وتجلو شجوني
بفنّي وشعري والحان عودي
أصارع آلام عمر شهيد
وهذا نشيدي
نشيد وجودي
سيبقى ورائي صداه يعيد :
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر ، وعود!

قال السماء كئيبة .. ايليا ابوم ماضى



قال السماء كئيبة ! وتجهما قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما ! 
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما !! 
قال: التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغرام جــهنما 
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها قلبي , فكيف أطيق أن أتبســما ! 
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها لقضيت عــــمرك كــله متألما 
قال: الــتجارة في صراع هائل مثل المسافر كاد يقتله الـــظما 
أو غادة مسلولة محــتاجة لدم ، و تنفثـ كلما لهثت دما ! 
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها وشفائها, فإذا ابتسمت فربما 
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟ 
قال: العدى حولي علت صيحاتهم أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟ 
قلت: ابتسم, لم يطلبوك بذمهم لو لم تكن منهم أجل و أعظما ! 
قال: المواسم قد بدت أعلامها و تعرضت لي في الملابس و الدمى 
و علي للأحباب فرض لازم لكن كفي ليس تملك درهما 
قلت: ابتسم, يكفيك أنك لم تزل حيا, و لست من الأحبة معدما! 
قال: الليالي جرعتني علقما قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما 
فلعل غيرك إن رآك مرنما طرح الكآبة جانبا و ترنما 
أتُراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟ 
يا صاح, لا خطر على شفتيك أن تتثلما, و الوجه أن يتحطما 
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى متلاطم, و لذا نحب الأنجما ! 
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما 
قلت ابتسم مادام بينك و الردى شبر, فإنك بعد لن تتبسما

كم تشتكى .. ايليا ابوم ماضى


( قالها في مهرجان بردجفيل)

- - -

كم تشتكي و تقول إنّك معدم و الأرض ملكك و السماو الأنجم ؟ 
و لك الحقول وزهرها و أريجها و نسيمها و البلبل المترنّم 
و الماء حولك فضّة رقراقة و الشمس فوقك عسجد يتضرّم 
و النور يبني في السّفوح و في الذّرى دورا مزخرفة و حينا يهدم 
فكأنّه الفنّان يعرض عابثا آياته قدّام من يتعلّم 
و كأنّه لصفائه و سنائه بحر تعوم به الطّيور الحوّم 
هشّت لك الدّنيا فما لك واجما ؟ و تبسّمت فعلام لا تتبسّم 
إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى هيهات يرجعه إليك تندّم 
أو كنت تشفق من حلول مصيبة هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم 
أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم 
أنظر فما تطلّ من الثّرى صور تكاد لحسنها تتكلّم 
ما بين أشجار كأنّ غصونها أيد تصفّق تارة و تسلّم 
و عيون ماء دافقات في الثّرى تشفي السقيم كأنّما هي زمزم 
و مسارح فقتن النسيم جمالها فسرى يدندن تارة و يهمهم 
فكأنّه صبّ بباب حبيبة متوسّل ، مستعطف ، مسترحم 
و الجدول الجذلان يضحك لاهيا و النرجس الولهان مغف يحلم 
و على الصعيد ملاءه من سندس و على الهضاب لكلّ حسن ميسم 
فهنا مكان بالأريج معطّر و هناك طود بالشّعاع مهمّم 
صور و أيات تفيض بشاشة حتّى كأنّ الله فيها يبسم 
فامش بعقلك فوقها متفهّما إنّ الملاحة ملك من يتفهّم 
أتزور روحك جنّة فتفوقها كيما تزورك بالظنون جهنّم ؟ 
و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا فتعافها لوساوس تتوهّم 
يا من يحنّ إلى غد في يومه قد بعت ما تدري بما لا تعلم 
...

قم بادر اللّذّات فواتها ما كلّ يوم مثل هذا موسم 
واشراب بسرّ حصن سرّ شبابه وارو أحاديث المروءة عنهم 
المعرضين عن الخنا ، فإذا علا صوت يقول : "إلى المكارم" أقدموا 
ألفاعلين الخير لا لطماعة في مغنم ، إنّ الجميل المغنّم 
أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب منهم و عندك للعواطف منجم 
رفعوا لدينهم لواء عاليا و لهم لواء في العروبة معلم 
إن حاز بعض النّاس سهما في العلى فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم 
لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم بقصائدي ، إنّ الضحى لا يكتم 
لكنّني أخشى مقالة قائل هذا الذي يثني عليهم منهم 
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدّنيا و فيها أنتم

أيها البعيد كمنارة

أيها البعيد كمنارة


أيها البعيد كمنارة

أيها القريب كوشم في صدري

أيها البعيد كذكرى الطفولة

أيها القريب كأنفاسي وأفكاري

أحبك

أح ب ك

وأصرخ بملء صمتي :

أحبك

وأنت وحدك ستسمعني

من خلف كل تلك الأسوار

أصرخ وأناديك بملء صمتي ...

فالمساء حين لا أسمع صوتك :

مجزرة

الليل حين لا تعلق في شبكة أحلامي :

شهقة احتضار واحدة ...

المساء

وأنت بعيد هكذا

وأنا أقف على عتبة القلق

والمسافة بيني وبين لقائك

جسر من الليل

لم يعد بوسعي

أن أطوي الليالي بدونك

لم يعد بوسعي

أن أتابع تحريض الزمن البارد

لم يبق أمامي إلا الزلزال

وحده الزلزال

قد يمزج بقايانا ورمادنا

بعد أن حرمتنا الحياة

فرحة لقاء لا متناه

في السماء

يقرع شوقي اليك طبوله

داخل رأسي دونما توقف

يهب صوتك في حقولي

كالموسيقى النائية القادمة مع الريح

نسمعها ولا نسمعها

يهب صوتك في حقولي

واتمسك بكلماتك ووعودك

مثل طفل

يتمسك بطائرته الورقية المحلقة

إلى أين ستقذفني رياحك ؟

إلى أي شاطئ مجهول ؟

لكنني كالطفل

لن أفلت الخيط

وسأظل أركض بطائرة الحلم الورقية

وسأظل ألاحق ظلال كلماتك !..

.

.

أيها الغريب !

حين أفكر بكل ما كان بيننا

أحار

هل علي أن أشكرك ؟

أم أن أغفر لك ؟ ..
.....................................................................
غادة السمان

رباعيات صلاح جاهين

[photo]30403318[/photo]
مع ان كل الخلق من أصل طين
وكلهم بينزلوا مغمضين
بعد الدقايق والشهور والسنين
تلاقى ناس أشرار وناس طيبين
عجبى !!!!!
عجبى عليك يا زمن يا أبو البدع
يا مبكى عينى دماً
ازاى اختار لروحى طريق؟
وأنا اللى داخل فى الحياة مرغماً
عجبى !!!!!
مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل
لا دخلتها برجليا ولا كان لى ميل
شايلنى شيل دخلت أنا فى الحياة
وبكرة هاخرج منها شايلنى شيل
عجبى !!!!!
سنوات وفايته عليا فوج بعد فوج
واحدة خدتنى ابن والتانية زوج
والتالتة أب خدتنى والرابعة إيه
إيه يعمل اللى بيحدفه موج لموج؟
عجبى !!!!!
أنا شاب لكن عمرى ولا ألف عام
وحيد ولكن بين ضلوعى زحام
خايف ولكن خوفى منى أنا
أخرس ولكن قلبى مليان كلام
عجبى !!!!!
حبيت لكن حب من غير حنان
وصاحبت،لكن صحبة ملهاش أمان
رحت لحكيم وأكتر لقيت بلوتى
إن اللى جوة القلب موش ع اللسان
عجبى !!!!!
ياما صادفت أصحاب وماصحبتهمش
وكاسات خمور وشراب ومشربتهمش
أندم ع الفرص اللى أنا سبتهم
والا ع الفرص اللى مسبتهمش
عجبى !!!!!
غدر الزمان يا قلبى مالوش أمان
وهايجى يوم تحتاج لحبة إيمان
ارتجف وسألنى أأمن بإيه؟؟
أأمن بإيه محتار بقالى زمان
عجبى !!!!!
يا باب أيا مقفول .. امتى الدخول؟
صبرت ياما واللى يصبر ينول
دقيت سنين والرد يرجعلى : مين؟؟
لو كنت عارف مين ... أنا كنت أقول
عجبى !!!!!

سهير ليالى وياما لفيت وطفت
فى ليلة راجع فى الظلام قمت شفت
الخوف كأنه كلب سد الطريق
وكنت عاوز أقتله بس خفت
عجبى !!!!!
أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جرس
جلجلت بيه صحيوا الخدم والحرس
أنا المهرج قمتوا ليه؟؟ خفتوا ليه؟؟
لا فى إيدى سيف ولا تحت منى فرس
عجبى !!!!!
دخل الربيع يضحك لقانى حزين
نده الربيع على اسمى لما قلت مين؟
حط الربيع أزهاره جنبى وراح
وإيش تعمل الأزهار للميتين؟
عجبى !!!!!
مهبوش بخربوش الألم والضياع
قلبى ومنزوع من الضلوع انتزاع
يا مرايتى ياللى بترسمى ضحكتى
يا هل ترى ده وش ولا قناع؟؟
عجبى !!!!!

ليه يا حبيبتى ما بينا دايماً سفر؟
ده البعد ذنب كبير لا يغتفر
ليه يا حبيبتى ما بينا دايماً بحور؟
أعدى بحر ألاقى غيره اتحفر
عجبى !!!!!
ورا كل شباك الف عين مفتوحين
وأنا وأنتى ماشيين يا غرامى الحزين
لو التصقنا نموت بضربة حجر
ولو افترقنا نموت متحسرين
عجبى !!!!!
نوح راح لحاله والطوفان استمر
مركبنا تايهة لسه موش لاقية بر
آه من الطوفان وآهين يا بر الأمان
إزاى تبان والدنيا غرقانة شر
عجبى !!!!!
على رجلى دم ، نظرت له ما احتملت
على ايدى دم ، سألت: ليه؟ لما وصلت
على كتفى دم وحتى على راسى دم
أنا كلى دم أقتلت؟؟ ولا اتقتلت؟؟
عجبى !!!!!
أنا كل يوم أسمع فلان عذبوه
أسرح فى بغداد والجزاير وأتوه
ما اعجبش من اللى يطيق بجسمه العذاب
واعجب من اللى يطيق يعذب أخوه
عجبى !!!!!
ينبوع وفى الحواديت أنا سمعت عنه
سمعت إنه عجيب وف وسط لهاليب لكنه
شقيت كما الفرسان طرقى لقيت
حتى الخنازير والكلاب شربوا منه
عجبى !!!!!
يا قرص شمس مالهوش قبة سما
يا ورد من غير أرض شب ونما
يا أى معنى جميل سمعنا عليه
الخلق ليه عايشين حياة مؤلمة
عجبى !!!!!
شاف الطبيب جرحى وصف له الأمل
وعطانى منه مقام يا دوب ما اندمل
مجروح جديد يا طبيب وجرحى لهيب
ودواك فرغ منى وإيه العمل؟؟
عجبى !!!!!
أعرف عيون هيا الجمال والحسن
وأعرف عيون تاخد القلوب بالحضن
وعيون مخيفة وقاسيةوعيون كتير
و باحس فيهم كلهم بالحزن
عجبى !!!!!

إيش تطلبى يا نفس فوق كل ده؟
حظك بيضحك وأنتى متنكده
ردت قالت لى النفس: قول للبشر
ما يبصوليش بعيون حزينة كده
عجبى !!!!!
إقلع غُماك يا تور وارفض تلف
إكسر تروس الساقية وأشتم وتف
قال: بس خطوة كمان وخطوة كمان
يا أوصل نهاية السكة ، يا البير يجف
عجبى !!!!!
يا حزين يا قمقم تحت بحر الضياع
حزين أنا زيك وإيه مستطاع؟
الحزن مابقالهوش جلال يا جدع
الحزن زى البرد زى الصداع
عجبى !!!!!
فى يوم صحيت شاعر براحة وصفا
الهم زال والحزن راح واختفى
خدنى العجب وسألت روحى سؤال
أنا مت؟؟ ولا وصلت للفلسفة؟؟
عجبى !!!!!
الفيلسوف قاعد يفكر سيبوه
لا تعملوه سلطان ولا تصلبوه
ما تعرفوش أن الفلاسفة يا هوه
اللى يقولوه بيرجعوا يكدبوه؟
عجبى !!!!!
على بعد مليون ميل من أرضنا
من الفراغ الكونى بصيت أنا
لا شفت فرق ما بين جبال أو بحر
ولا شفت فرق بين عذاب أو هنا
عجبى !!!!!
إنسان إيا إنسان ما أجهلك
ما أتفهك فى الكون وما أضألك
شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم
وفاكرها يا موهوم مخلوقه لك؟؟
عجبى !!!!!
نظرت فوقى للنجوم وأنا ساير
رجليا عترت فى الحفر والحجاير
بقيت أقول أنا والتراب : يا سلام
مش بس عبرة أخدت لكن عباير
عجبى !!!!!
يا نجم نورك ليه كده بيرتجف؟
هو أنت قندل زيت؟ أو تختلف؟
أنا نجم عالى بس عالى قوى
وكل ما أنظر تحت أخاف انحدف
عجبى !!!!!
السم لو كان فى الدوا منين يضر؟
والموت ولو لعدونا منين يسر؟
حط القلم فى الحبر وأكتب كمان
والعبد للشهوات منين هوا حر؟
عجبى !!!!!
وقفت بين شطين على قنطرة
الكدب فين والصدق فين يا ترى؟
محتار أموت ، الحوت خرج لى وقال
هوا الكلام يتقاس بالمسطرة؟
عجبى !!!!!
سراب فى مستشفى الولادة طويل
صرخات عذاب ورا كل باب وعويل
وفى الطريق متزوقين البنات
متزوقين للحب والمواويل
عجبى !!!!!
الدنيا أوده كبيرة للانتظار
فيها ابن آدم زيه زى الحمار
الهم واحد والملل مشترك
ومفيش حمار بيحاول الانتحار
عجبى !!!!!
أيوب رماه البين بكل العلل
سبع سنين مرضان وعنده شلل
الصبر طيب .. صبر أيوب شفاه
بس الأكاده مات بفعل الملل
عجبى !!!!!
نسمة ربيع لكن بتكوى الوشوش
طيور جميلة بس من غير عشوش
قلوب بتخفق إنما وحدها
هيا الحياة كده كلها فى الفاشوش
عجبى !!!!!
يا طير يا عالى فى السما طز فيك
ما تفتكرش ربنا مصطفيك
برضك بتاكل دود وللطين تعود
تمص فيه يا حلو ويمص فيك
عجبى !!!!!
كروان جريح مضروب شعاع من القمر
سقط من السموات فؤاده انكسر
جريت عليه قطة علشان تبلعه
أتاريه خيال شعراء ومالهوش أثر
عجبى !!!!!
قالوا ابن آدم روح وبدنه كفن
قالوا : لا بدن قالوا : لا ده روح فى بدن
رفرف فؤادى مع الرايات فى الهوا
أنا قلت لا روح فى بدن فى وطن
عجبى !!!!!
أنا كان لى أب وكان رئيس محكمة
ستين سنة فى قضية واحدة اترمى
ستين سنة وطلع براءة وخرج
يشكى الحياة والموت لرب السما
عجبى !!!!!
يومى على الله تنتهى وتغيب
الشمس .. وتعود تانى يوم لهاليب
زى الحياة مأساة ومن كترها
بقى لا انتهاءها ولا ابتداءها عجيب
عجبى !!!!!
علم اللوع أضخم كتاب فى الأرض
بس اللى يغلط فيه يجيبوا الأرض
أما الصراحة فأمرها ساهل
لكن لا تجلب مال ولا تصون عرض
عجبى !!!!!
نظرت فى الملكوت كتير وانشغلت
وبكل كلمة ليه؟ وعشان إيه؟ سألت
اسأل سؤال ارد يرجع سؤال
وأخرج وحيرتى أشد مما دخلت
عجبى !!!!!
خرج ابن آدم من العدم قلت : ياه
رجع ابن آدم للعدم قلت : ياه
تراب بيحيا وحى بيصير تراب
الأصل هوا الموت ولا الحياه؟؟
ضريح رخام فيه السعيد اندفن
وحفرة فيها شريد من غير كفن
مريت عليهم قلت يا للعجب
الاتنين ريحتهم فيها نفس العفن
عجبى !!!!!
والكون ده كيف موجود من غير حدود
وفيه عقارب ليه؟ وتعابين ودود
عالم مجرب فات وقال سلامات
ده ياما فيه سؤالات من غير ردود
عجبى !!!!!
وأنا فى الظلام من غير شعاع يهتكه
أقف مكانى بخوف ولا أتركه
ولما يجى النور وأشوف الدروب
أحتار زيادة ... أيهم أسلكه؟؟
عجبى !!!!!
قطى العزيز راقد على الكنبات
فى نوم لذيذ .. وبيلحس الشنبات
وانا كلّ عين فنجان مدلدق قلق
صدق اللى قال إن الحياة منابات
!!عجبى

قالوا السياسة مهلكة بشكل عام
وبحورها يا بنى خشنة مش ريش نعام
غوص فيها تلقى الغرقانين كلهم
شايلين غنايم . والخفيف اللى عام
!!عجبى
أهوى الهوى وهمس الهوى فى العيون
وبسمة المغرم . ودمعة الحنون
وزلزلات الحب نهـد الصبـا
أكون أنا المحبوب . أو لا أكون
!!عجبى
عيد والعيال اتنططوا ع القبور
لعبوا استغماية . ولعبوا بابور
وباللونات . ونايلونات شفتسى
والحزن ح يروح فين جنب السرور
!!عجبى
بلياتشو قال إيه بس فايدة فنونى ؟
وتلات وقق مساحيق بيلوّنونى
والطبل والمزمامير وكتر الجعير
إذا كان جنون زبونى زاد عن جنونى
!!عجبى

حتة محارة وجدتها فى يوم لقيةّ
قالت لى شوف كيف الطبيعة شقية ؟
نظرت للكهف اللى فيها ولقيت
إن الطبيعة كمان .. لا أخلاقية
!!عجبى
ياللى انت بيتك قش مفروش بريش
تقوى عليه الريح . يصبح مفيش
عجبى عليك حواليك مخالب كبار
وما لكش غير منقار وقادر تعيش
!!عجبى
كيف شفت قلبى والنبى يا طبيب
هَمَد ومات والا سامع له دبيب
قاللى لقيته مختنق بالدموع
ومالوش دوا غير لمسه من إيد حبيب
!!عجبى
حدوته عن جعران وعن خُنفسه
اتقابلوا حَبّوا بعض ساعة مِسَا
ولا قالهم حد اختشوا عيب حرام
ولا حد قال دى علاقة متدنسة
!!عجبى
زحام وأبواق سيارات مزعجة
إللى يطول له رصيف .. يبقى نجا
لو كنت جنبى يا حبيبى أنا
مش كنت أشوف إن الحياة مُبهجة ؟
!!عجبى
ولدى إليك بدل البالون ميت بالون
انفخ وطرقع فيه على كل لون
عساك تشوف بعنيك مصير الرجال
المنفوخين فى السترة والبنطلون
!!عجبى
برّه القزاز كان غيم وأَمطار وبرق
ما يهمنيش ـ أنا قلت ـ ولا عندى فرق
غيّــرت رأيـى بعد ساعـة زمـان
وكنت فى الشارع .. وفى الجزمة خرق
!!عجبى
عينى رأَت مولود على كتف أُمه
يصرُخ تهنِّن فيه يصرخ تضمُّه
يصرخ تقول يا بْنى ما تنطق كلام
ده اللى ما يتكلمش يا كتر همُّه
!!عجبى
لا تجبر الإنسان ولا تخيّره
يكفيه ما فيه من عقل بيحيَّره
اللى النهارده بيطلبه ويشتهيه
هو اللى بكره ح يشتهى يغيّره
!!عجبى

ولدى نصحتك لما صوت اتَنَبح
ما تخافش من جِنِّى ولا من شَبَح
وإن هبّ فيك عفريت قتيل إسأَله
ما دافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح ؟
!!عجبى
بين موت وموت ... بين النيران والنيران
ع الحبل ماشيين الشجاع والجبان
عجبى عَلادى حياة .. وياللعجب
إزاى أنا ـ يا تخين ـ بقيت بهلوان
!!عجبى
الدنيا من غير الربيع ميّته
ورقة شجر ضعفانة ومفتته
- لأ يا جدع غلطان تأمّل وشوف
زهر الشتا طالع فى عز الشتا
!!عجبى
حاسب من الأحزان و حاسب لها
حاسب على رقابيك من حبلها
راح تنتهى و لابد راح تنتهى
!! مش أنتهت أحزان من قبلها
!!عجبى
قالوا الشقيق بيمص دم الشقيق
والناس ما هيَّاش ناس بحق وحقيق
قلبى رميته وجبت غيره حجر
داب الحجر .. ورجعت قلبى رقيق
!!عجبى
غمض عينيك وارقص بخفة ودلع
الدنيا هى الشابّة وانت الجدع
تشوف رشاقة خطوتك تعبدك
لكن انت لو بصيت لرجليك .. تقع
!!عجبى
ورد ف ورق سلوفان يا حلوة اهديلك ؟
والاّ انقله بالطين فى شتلة واجيلك ؟
الأولانى لــو وحـــا بحنـانـى
عجبى على التانى بإيه يوحيلك ؟
!!عجبى
كان فيه زمان سِحليَّة طول فَرْسَخين
كهفين عيونها وخَشْمَها بَربخين
ماتت .. لكين الرعب لم عمره مات
مع إنه فات بدل التاريخ تاريخين
!!عجبى
يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واحكى على بلوتك
الغنوة مش حتموتك إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك
عجبى !!
لو فيه سلام فى الأرض وطمان وأمن
لو كان مفيش ولا فقر ولا خوف وجبن
لو يملك الإنسان مصير كل شئ
أنا كنت أجيب للدنيا ميت ألف ابن
عجبى !!

أهوى الهوى وهمس الهوى فى العيون
وبسمة المغرم . ودمعة الحنون
وزلزلات الحب نهـد الصبـا
أكون أنا المحبوب . أو لا أكون
عجبى !!
حتة محارة وجدتها فى يوم لقيةّ
قالت لى شوف كيف الطبيعة شقية ؟
نظرت للكهف اللى فيها ولقيت
إن الطبيعة كمان .. لا أخلاقية
عجبى !!