" وفى مغيب آخر ايام عمرى ..
|
سوف أراك وأرى أصدقائى ،
|
ولن أحمل معى تحت الثرى غير حسرة الأغنية ..
|
التى لم تتم ..! "
|
( ناظم حكمت )
|
***
|
(1) حب .. وبحر .. وحارس
|
كانوا قالوا : " إن الحب يطيل العمر "
|
حقا .. حقا .. إن الحب يطيل العمر ! !
|
حين نحس كأن العالم باقة زهر
|
حين نشف كما لو كنا من بللور
|
حين نرق كبسمة فجر
|
حين نقول كلاما مثل الشعر
|
حين يدف القلب كما عصفور ..
|
يوشك يهجر قفص الصدر ..
|
كى ينطلق يعانق كل الناس !
|
كنا نجلس فوق الرملة
|
كانت فى أعيننا غنوة
|
لم يكتبها يوما شاعر ..
|
قالت :
|
- .. صف لى هذا البحر !
|
- يا قبرتى .. أنا لا أحسن فن الوصف
|
- واذن .. كيف تقول الشعر ؟ !
|
- لست أعد من الشعراء
|
أنا لا أرسم هذا العالم بل أحياه
|
أنا لا أنظم إلا حين أكاد أشل
|
ما لم أوجز نفسى فى الكلمات
|
هيا نوجز هذا البحر
|
- كيف .. أفى بيت من شعر ؟
|
- بل فى قبلة ! !
|
عبر الحارس .. ثم تمطى .. " نحن هنا " !
|
ومضى يلفحنا بالنظرات
|
" يا حارس .. أنا لا نسرق
|
يا حارس يا ليتك تعشق
|
يا ليت الحب يظل العالم كله
|
يا ليت حديث الناس يكون القبـلة
|
يا ليت تقام على القطبين مظلة
|
كى تحضن كل جراح الناس
|
كى يحيا الإنسان قرونا فى لحظات "
|
ومشى الحارس .. قالت " أوجز هذا البحر " !
|
كان دعاء يورق فى الشفتين
|
- يبدو أن الحارس يملك هذا البحر
|
يكره منا أن نوجزه فى القبلا ت !
|
- فلنوجزه فى الكلمات ..
|
أترى هل يملك أن يمنع حتى الكلمة ؟ !
|
(2) سر الكلمة
|
- قبرتى .. لا يعلو شىء فوق الكلمة
|
كانت مذ كان الإنسان
|
كانت أول .. كانت أعظم ثورة !
|
كانت تعلو منذ البدء على الأسوار
|
تسخر من كل الحراس
|
تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام
|
خرجة " بطرس "
|
يوم أفاقوا حاروا " أين الكلمة " ؟
|
خرجت تأسو كل جراح الناس
|
أو " كمحمد " ..
|
ليلة شاءوا يا قبرتى قتله
|
ثم أفاقوا حاروا " أين الكلمة " ؟
|
خرجت تمشى بين الناس الدعوة
|
وكسقراط ..
|
شرب السم ولكن عاشت منه الكلمة
|
" اعرف نفسك "
|
أو كيسوع ..
|
مات ولكن أسلم للأجيال الكلمة
|
" اللّه محبة "
|
وكأخناتون
|
قد أكلته النار ولكن ..
|
عاشت رغم النار الكلمة ..
|
أبدا لم يحرقها الكهنة
|
ومشت بين الناس " سلام يا آتون ! "
|
هل يمنع سد هذى الموجة ..
|
من أن ترقص فوق الشط ؟ !
|
دوما سوف يزول السد
|
لترقص فوق الشط الكلمة
|
هذا يا قبرتى سر الكلمة ! !
|
(3) ملكوت الأرض
|
يا قبرتى .. بعدت ععنا عين الحارس
|
هيا نوجز هذا البحر
|
مهلا .. مهلا .. هل تبكين ؟
|
يا قبرتى هل تبكين ؟
|
مسحت دمعا كان ينام على تفاح الخد
|
مثل دموع الصبح تنام على أوراق الورد
|
" شوفى .. شوفى العصفورة !! "
|
ضحكت مثل الطفل وقالت :
|
- يا عصفورى .. لست صغيرة !
|
- ليت الناس جميعا كالأطفال !
|
والحق أقول ..
|
لن ندخل فى ملكوت الأرض
|
ما لم نرجع يا قبرتى كالأطفال
|
- قل لى .. ما ملكوت الأرض ؟
|
- كان قديما فى السموات
|
يدعى يا قبرتى " الجنة "
|
. . . . . . . . . . . .
|
دالت للإنسان الأرض !
|
أوغل فيها .. خاض بحارا سبعة
|
شق صحارى سبع
|
ذاق الويل
|
لاقى كل صنوف الهول
|
جاع .. تعرى .. علق فى السفود
|
شرد .. طورد .. سمر فى الصلبان
|
كتف .. ألقى للنيران
|
مات مسيح يا قبرتى بعد مسيح
|
لكن لم يمت الإنسان !
|
كيف يموت ..
|
وهو يرص الطوبة فوق الطوب
|
يبنى فى الأرض الملكوت
|
يصنع يا قبرتى الجنة .. ؟ !
|
يا كم رفع سزيف الصخرة
|
يا كم سقطت منه المرة بعد المرة
|
لا .. لن تيأس يا سيزيف
|
يوما سوف تقر هنالك فوق القمة
|
تهتف منها فى البشرية :
|
لا صلبان ولا أحزان
|
شبع الجوعى
|
شفى المرضى
|
قام الموتى
|
أبصر فى الأرض العميان
|
فتحت أبواب الملكوت ..
|
ما قد صعد إبن الإنسان
|
للحرية ! !
|
(4) العرس و المآتم
|
- يا عصفورى .. ما يبكيك ؟
|
مسحت شيئا فى خدى وقالت :
|
" شوف العصفورة "
|
ثم ضحكنا كالأطفال
|
حين أفقنا كانت توشك عين الشمس
|
تغرق فى أحضان البحر
|
- يا قبرتى .. كنا نعبد عين الشمس
|
كانت رمزا .. كانت ربا يدعى " رع "
|
يركب كل صباح قارب
|
يضرب فى السموات ويفرش فوق الأرض النور
|
أبدا لم تخنقه الأفعى
|
أبدا لم تنتصر الظلمة
|
ظل القارب يقطع هذى الرحلة
|
يسقط كل مساء فى أحضان البحر
|
ثم يعود فيولد كل صباح
|
رغم الأفعى !
|
كنا نعشق منذ البدء النور
|
نولد فى ميلاد الشمس
|
قولى يا قبرتى عرس
|
نفرح .. نجرى للغيطان
|
نرقص .. نهتف كالأطفال
|
" المجد لعينك يا رع
|
الملك لعينك يا رع
|
الأرض بساطك يا رع
|
العالم عرشك يا رع
|
فلتحرق بالنور الأفعى
|
ولتنشر فى البحر شراعك
|
ولترضع بالدفىء البذرة
|
ولتحضن أمواج الحنطة
|
ولترع جميع الغيطان
|
ولتكشف درب الإنسان
|
المجد لعينك يا رع
|
الملك لعينك يا رع " !
|
كم صلينا .. كم غنينا
|
كم صورنا يا قبرتى هذا القرص
|
- أنظر .. ها قد غاب القرص ..
|
يا عينى .. قد غاب القرص !
|
- كنا نحزن عند مغيب الشمس
|
نبكى .. نندب .. قولى مأتم
|
كانت هذى الأرض تموت
|
حين تنام عليها الظلمة كالتابوت
|
تلك الأفعى
|
كنا نحمل موتانا للجبانة
|
تلقيهم فى جوف " الغرب "
|
أهنالك شىء فى الغرب
|
يأتينا ليسر القلب " ..
|
ذهبت مثلا ..
|
(5) صلات للموتى
|
كم صلينا يا قبرتى للأموات :
|
" رب الموتى أوزوريس
|
ارحم موتانا يا رب
|
فلكم ناحوا لمـا مـت
|
ولكم فرحوا لما قــمـت
|
بأسم دموعك يا إيزيس
|
بأسم شبابك يا حوريس
|
أرحم موتانا يا رب ..
|
كم كانوا يخشون الغرب !
|
ضميهم يا أرض إليك
|
كم رقصوا يا أرض عليك
|
كم قطفوا اللوتس والبردى من كفيك
|
كم عشقوا .. غنوا للحب
|
كم صلوا فى عيد الخصب
|
كونى يا أرض وشاحا فوق الموتى
|
كونى يا أرض جناحا فوق الموتى
|
كونى يا أرض سلاما فوق الموتى
|
ما أقسى الأرض على الموتى ..
|
يا قبرتى .. ما أرحمها بالأحياء !
|
وإذا الحارس يزعق " قوموا يا أموات ! "
|
فتل الشارب .. زمجر .. حمر من عينيه
|
قلنا نقفل بابا تأتى منه الريح !
|
قمنا نبطىء فى الخطوات ..
|
ثم وقفنا .. قالت وهى تصيح :
|
- هل تسمع دقات الساعة ؟
|
- ماذا تلهمك الدقات ؟
|
(6) أغنية للدقات
|
قالت وهى تغنى للدقات :
|
الدقة الأولى
|
" الساعة يولد انسان "
|
الثانية
|
" ويموت الساعة انسان "
|
الثالثة
|
" والعالم ليس بملآن "
|
الرابعة
|
" بل ليس القبر بملآن "
|
الخامسة
|
" مازال سؤالك يا هملت "
|
السادسة
|
" أضحوكة ذاك الحفار "
|
السابعة
|
" أوغلنا .. جبنا الأفلاك "
|
الثامنة
|
" خضناها مثلك يا رع "
|
التاسعة
|
" وصنعنا للرحلة قارب "
|
العاشرة
|
" لنجب شراعك يا رع "
|
الحادية عشر
|
" أيظل الإنسان يموت "
|
الثانية عشر
|
" حتى فى عصر الأقمار " ؟ !!
|
(7) الشعر و العالم
|
سكتت حتى مسحت دمعا
|
كان ينام على التفاح
|
سألت فى صوت الكروان :
|
- ماذا تلهمك الدقات ؟
|
قلت وفى عينى طموح للأقمار :
|
- العالم فوق الشعراء
|
فليعل الشعر إلى العالم
|
أو فلنصمت !
|
نبذة حول الشاعر: نجيب سرور
ReplyDeleteوُلد أول يونيو ( حزيران ) 1932 في قرية إخطاب ( الدقهلية ، مصر )
برزت ميوله المسرحية في مطلع شبابه , فترك دراسة الحقوق و هو في سنتها النهائية والتحق بمعهد التمثيل ( المعهد العالي للفنون المسرحية ) وحصل علي الدبلوم عام 1956 .
وعند تخرّجه انضمّ إلي " المسرح الشعبي " الذي كان تابعاً لمصلحة الفنون
اشترك في أعمال " المسرح الشعبي " بالتأليف والخراج والتمثيل .
في أواخر عام 1958 سافر في بعثة إلي الاتحاد السوفيتي حيث درس الإخراج المسرحي .
وفي عام 1963 انتقل إلي المجر وظلّ حتى العام 1964 ،
عاد بعدها إلي الوطن ، حيث شهدت القاهرة فترة ازدهار إنتاج سرور المسرحي والشعري والنقدي ، فكان أحد أهم فرسان المسرح المصري المتميزين في فترة الازدهار المسرحي العربي خلال الستينات .
في فترة السبعينات عاني نجيب سرور ظروفاً مأسوية : اضطهد ، وجاع , وتشرَد , وطورد ، وفُصل من أكاديمية الفنون حيث كان يعمل أستاذاً للإخراج والتمثيل ..
اُدخل عدة مرات إلي مستشفى الأمراض العقلية ! ..
توفي نجيب سرور في 24 أكتوبر 1978 بمدينة دمنهور ، مصر .
أعماله الشعرية :
التراجيديا الإنسانية
مجموعة شعرية كتبها بين 1952 و 1959 . صدرت عن " دار المصرية للتأليف و الترجمة و النشر " عام 1967 بالقاهرة .
لزوم ما يلزم
مجموعة شعرية كتبها في بودابِست عام 1964 ، صدر أول مرة عن " دار الشعب " عام 1975 بالقاهرة . الأميّات
رباعيات و قصائد هجائية كتبها نجيب سرور بين 1969 و 1974 ، نشرت بالإنترنت عام 1998 .
بروتوكولات حكماء ريش
أشعار و مشاهد مسرحية ، كتبها و صدر عن مكتبة مدبولي بالقاهرة عام 1978 .
رباعيات نجيب سرور
ديوان كتبه بين 1974 و 1975 ، صدر بمكتبة مدبولي عام 1978 .
الطوفان الثاني
ديوان كتبه عام 1978 بالقاهرة ، تضمنه المجلد الرابع من أعماله الكاملة عام 1997 .
فارس آخر زمن
ديوان كتبه عام 1978 ، تضمنه المجلد الرابع من أعماله الكاملة عام 1997 .
أعمال شعرية عن الوطن و المنفي
ديوان كتبه فيما بين 1959 و 1963 و لم ينشر .
رسائل إلي صلاح عبد الصبور
كتبها في موسكو بين 1959 و 1963 و لم تنشر .
عن الإنسان الطيب
ديوان كتبه في موسكو فيما بين 1959 و 1963 و لم ينشر .