الإهــــداء ..
|
الى الذى عَلَّمنى الشَّـعْرَ والثورة ..
|
الى أبى .....
|
والى الذى أعيشُ من أجلِ أن أراهُ بين أحضانِ مصر
|
الى وَلَدى الغريب !
|
والى ساشا كورساكوفا
|
ثم من قبل وبعد ..
|
الى أمى !
|
***
|
( 1 )
|
قد آن ياكيخوت للقلب الجريح
|
أن يستريح ،
|
فاحفر هنا قبراً ونم
|
وانقش على الصخر الأصم :
|
" يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،
|
لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،
|
هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام .
|
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان
|
إن عد فرسان الزمان
|
لكن قلبى كان دوماً قلب فارس
|
كره المنافق والجبان
|
مقدار ما عشق الحقيقة .
|
قولوا " لدولسين " الجميلة (1) ..
|
" أَخْطَابَ (2) " .. قريتى الحبيبة :
|
" هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ..
|
لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص ،
|
حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..
|
فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! " .
|
( 2 )
|
- ها أنت تقفز للنهاية ،
|
- هلا حكيت من البداية .
|
- ولمن أقول ؟ !
|
- هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية :
|
- ألها عقول ؟
|
- ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما فى القلب حتى للحجر ،
|
أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ !
|
( 3 )
|
يا سيداتى يا أميراتى الحسان ..
|
أن لن أقول لكن ما أسْمى بين فرسان الزمان ،
|
ولتنطق الأفعال من قبل اللسان ..
|
... ... ... ... ... ...
|
من أين أبدأ والظلام ،
|
يلتفت فى أقصى الوراء وفى الأمام !
|
عرجاء حتى الذاكرة ..
|
والذكريات !
|
يا سيداتى معذرة ..
|
أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ فى المنفى الكلام ،
|
وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتى فى المنفى الحروف !
|
الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،
|
الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،
|
الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ،
|
الصمت حرف لايُخَط ولا يقال ..
|
الصمت يعنى الصمت .. هل يغنى الجحيم سوى الجحيم ؟ !
|
عجباً .. أتضحك من كلامى السيدات .
|
" مم الضحك ؟ ! "
|
( 4 )
|
- " الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لاتيأس وحاول من جديد ..
|
كيخوت لاتصمت .. أليس الصمت - قلت - هو الجحيم !
|
- " لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ !
|
الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ !
|
ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش فى أرض سواها ..
|
الحرف يذبل يا أميراتى الحسان ..
|
ويموت لو ينفى ، وينسى لايمر على لسان !
|
حلفتكن بكل غال ،
|
هل ما تزال ..
|
فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! "
|
( 5 )
|
من أنت ؟ .. تطعنك العيون ،
|
وتظل تنزف ، والسنون ..
|
تمضى كأسراب السحاب ..
|
فى الصيف .. تبخل بالجواب ! .
|
من أنت .. ؟ .. لاتدرى .. وتدرى ما العذاب !
|
ما غربة الضفدع فى الأرض الخراب
|
ما ضيعة البولة فى الحمام والبصقة فى يوم المطر !
|
( 6 )
|
" حدقن .. أمعن النظر ..
|
هذا حصانى جائزة ..
|
تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! ..
|
تضحكن ثانية أميراتى الحسان !
|
بعيونكن ألا فقلن ..
|
أمن الحصان على الهزال ..
|
تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! "
|
( 7 )
|
- قدم اليهن البطاقة !
|
- ما من بطاقة .
|
- قدم اليهن الجواز !
|
- ما من جواز .
|
لا وشم حتى فوق زند أو ذراع !
|
- يا للضياع !
|
وتظل تنهشك الوحوش ،
|
هذى العيون الخاليات من الرموش !
|
لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال ..
|
- كل ابن كلب -
|
" من أنت ؟ " .. كالقفاز فى عينيك يرمى بالسكين قلب !
|
وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب !
|
- يا .. كلاب ..
|
كبدى خذوه ..
|
يا ناهشى الأكباد هاكُمْ فانهشوه ،
|
وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!
|
- لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية
|
أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..
|
أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !
|
انا لتعجزنا الحياة ..
|
فنلومها .. لا عجزنا ،
|
ونروح نندب حظنا ،
|
ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا !
|
- هو عصرنا !
|
- لكننا لسنا به الفرسان ..
|
نحن قطيع عميان يفتش فى الفراغ عن البطولة ،
|
والأرض بالأبطال ملأى حولنا !
|
- ملأى .. ولكن باللصوص !
|
- الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف الملىء ؟ !
|
لو لم تكن فى العالم الأضداد ما قلنا : " عظيم أو قمىء " !
|
- إنى لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة !
|
أقرأت يوما فى الحكايات القديمة ،
|
عن غادة حسناء فى أنياب غول ؟ !
|
أرأيت يوما ضفدعه ..
|
ما بين فكى أفعوان ؟!
|
من ها هنا بدء الحكاية
|
يا قريتى .. يا عالمى ..
|
يا عالمى .. يا قريتى .. !!
|
( 8 )
|
" ياسيداتى يا أميراتى الحسان ..
|
إنى أتيتُ إلى الوجودِ كما يجىءُ الأنبياء !
|
لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ،
|
فى مذود يوما ولدت !
|
فى قريتى " أخطاب " .. حيث الناس من هول الحياة ،
|
موتى على قيد الحياة !
|
لا الأرض غنت لى ، ولا صلت لِمَقْدَمِىَ النجوم ،
|
ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ،
|
ولا الملائك باركوا مهدى ..
|
ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسى بالجناحين حمامة !
|
قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل ..
|
حتى الفجر !
|
وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر ..
|
بدروبها من ألف جيل
|
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت ..
|
فالناس من هول الحياة ..
|
موتى على قيد الحياة !
|
( 9 )
|
وظهيرة .. آويت من لفح الهجير ،
|
لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ،
|
وجلست محزوناً أنقل فى المدى بصرى .. فحط على الحقول ،
|
وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ،
|
وعلى القبور ،
|
وأنا أدندن أغنية :
|
" يا بهية وخبرينى ع اللى قتل ياسين " !
|
وسمعت ضفدعة بقربى تستجير ..
|
كانت بفكَّىْ أفعوان !
|
عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ،
|
غابت وغاب الأفعوان :
|
ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعى والضفادع ؟ !
|
( 10 )
|
يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
|
وحفظت فى الكتاب آيات الكتاب ،
|
عن ظهر قلب .
|
ونسيتها عن قلب ظهر !
|
إلا علامات على جسمى لضرب .
|
- بهراوة عمياء - مثل بقية الوشم القديم ،
|
وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ،
|
والفعل - فعل الأمر - " اقرأ ! "
|
فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدى : أدهم ..
|
والزير سالم ، والهلالى ، وابن ذى يزن وعنتر ..
|
ياسيداتى .. ثم نادانى من الأعماق صوت :
|
" قَرَّباَ مربط النعامة منى ..
|
لم أكن من جناتها علم اللّه وانى بحرها اليوم صالى " !
|
( 11 )
|
لكنهم قتلوا النعامة !
|
كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ،
|
كم مرة قصوا بمقراض الحمير ..
|
قصوا الشوارب والشعور ،
|
ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ فى الظهور ،
|
كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى
|
أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ،
|
كم مرة غنت بهية ..
|
ياسينها المقتول من فوق الهجين !
|
ياهول معركة الأفاعى والضفادع .
|
( 12 )
|
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
|
ورحلت يوماً للمدينة ،
|
فى ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة
|
كُنّا أَهَلْنا فوق أمى آيتين من الكتاب ، وكومتين من التراب ..
|
وقالبىْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع !
|
لافرق يا أخطاب بينك والمدينة ،
|
غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ،
|
غير الزحام ،
|
وضجيج آلاف الطبول ،
|
ونذير أجراس الترام .
|
يا سيداتى.. يا أميراتى الحسان ،
|
وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ،
|
ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ،
|
وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف ..
|
حيرى تفتش عن رغيف !
|
والسوق لاتغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح :
|
( من يشترى ؟ - وبكم تبيع ؟ !
|
يفتح اللّه - اتفقنا ! - يابلاش ! )
|
وهنا يباع ويشترى ..
|
ياسيداتى .. كل شىء !
|
حتى الترام يباع فى وضح النهار ..
|
للقادمين من القرى .. !
|
يادفتر الأرقام ما ثمنى ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن ..
|
لاشىء بالمجان غير الموت .. لكن .. لامفر من الكفن !
|
( 13 )
|
كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟
|
بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ،
|
بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟
|
كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟
|
من هؤلاء ؟ !
|
ما هؤلاء ؟ !
|
وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص ،
|
وتغوص كى تطفو - صغيراً أنت كنت - !
|
ما غير هذا حوت يونس ،
|
ما غير هذا .. أنت توشك تختنق !
|
وصرخت ياكيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء ..
|
حتى لُفظت إلى الرصيف ،
|
فجعلت تهتف من هناك ..
|
وبمثل صوت الضفدعه ،
|
كيخوت وحدك .. بالرغيف ..
|
وسقوط " باشا " كان فى اخطاب فى القصر الكبير ،
|
واذا بكف كالجبل ..
|
تهوى عليك .. على قفاك ..
|
كى تنكفىء ..
|
فوق الرصيف !
|
كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ !
|
هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ،
|
جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات ..
|
ومدرعات .
|
محفوظة ياقريتى .. فالنوق من لحم ودم ،
|
لا من حديد !
|
حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ !
|
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
|
من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء ..
|
فالموت فى الميدان أكوام كحقل القمح فى يوم الحصاد
|
يا قريتى .. ها أنت مثل مدينتى ..
|
كِلْتَاكُما فى الهم .. فى البلوى .. سواء !
|
( 14 )
|
ووجدتنى فى غابة سوداء (3) .. آلاف الكتب .
|
يا رحلة فى صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى !
|
والقرد والتمساح والجحش ، وذى القرنين والقرن الوحيد !
|
الحرف أنت . كما تكون يكون .. أى الناس أنت ؟ !
|
الحرف قديس - إذا ما كنت قديساً - وداعر ..
|
ان كنت بين الناس داعر !
|
يا غابة الأقلام .. ياسوق الضمائر !
|
- ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس ..
|
قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ،
|
فإذاك تخلط أى شَىء ..
|
بأى شىء !
|
واذا طواحين الهواء عمالقة ،
|
واذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ،
|
واذا الحظيرة قلعة، والطشت تاج من ذهب ،
|
واذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم) !
|
يا للخديعه الكذب ..
|
يا أيها الآتون من بعدى الحذار ..
|
كل الحذار من الكُتُب !
|
( 15 )
|
- أنكون ..
|
ياترى أم لا نكون !
|
أمن الحكمة أن نحيا الحياة ..
|
كيفما كانت .. ونرضى حظنا ،
|
أم نخوض البحر فى هول الصراع ..
|
عزلا .. دون شراع ،
|
أم ترى الحكمة فى أن ننتحر ؟ !
|
يا دجى .. ياصمت .. يا .. يا .. ياجنون ..
|
أنكون ..
|
ياترى أم لانكون !
|
- يا سؤالا حائراً منذ قرون ،
|
هائما ليس يقر !
|
- أيها الهاتف من أنت ؟ !
|
- أنا بصقة قبر !
|
- أنا خفاش عجوز ،
|
يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ،
|
أيها الضارب فى التيه بليل ..
|
كيف فى التيه المفر ؟
|
يا صديقى .. خذ طريقى .. وانتحر !
|
- انتحر ؟ !
|
- راحة الراحات ، ترياق الألم ،
|
وخلاصات خلاصات الحكم ..
|
أنت لاتملك غير الكلمات ،
|
حيلة العاجز عن كل الحيل
|
( كلمات .. كلمات .. كلمات )
|
غُصْنُ صفصاف هزيل ..
|
أى عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر !
|
أوشك الديك يصيح ،
|
وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ،
|
فوداعاً .. أو اذا شئت اختصر ..
|
وليكن وشْك لقاء !
|
- أيها الهاتف قف ..
|
أيها الهاتف قف ..
|
......................
|
أنكون ..
|
يا ترى ..
|
أم لا نكون !!
|
( 16 )
|
فتوى !
|
- أعطوا لقيصر ما لقيصر ،
|
وللاله ..
|
ما للاله !
|
- فما الذى تعطى لنا ؟ !
|
- ماذا تبقى عندكم ؟
|
- لم يبقى شىء ..
|
- فاهنأوا .. طوبى لكم !
|
( 17 )
|
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..!
|
صَلَّيْتُ فى الماخور كى أعرف أسرارَ الطهارة ،
|
وزنيت فى المحرابِ كى أسبر أغوار الدعارة ،
|
لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة !
|
ياسيداتى معذرة ..
|
ان كنت قد جانبت آداب اللياقة .
|
أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان " ابن هانىء " ..
|
فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..
|
ما لاتريد ،
|
أو أن تريد ولا تقول !
|
قالوا قديما : ( لاتخف ان قلت ، واصمت لاتقل ..
|
ان خفت ) .. لكنى أقول :
|
الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !
|
قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..
|
لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل :
|
" الملك عريان " .. ومن يفتى بما ليس الحقيقه ..
|
فليلقنى خلف الجبل !
|
انى هنالك منتظر ..
|
والعار للعميان قلبا أو بصر ،
|
وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر !
|
_________________
|
1- دولسين الحبيبة الوهمية لدون كيخوت .
|
2- أخطاب قرية الشاعر .
|
3- التعبير لدانتى مطلع الكوميديا الالهية .
|
No comments:
Post a Comment