( 33 )
|
أمير الشعراء
|
...
|
" ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
|
وصرخت يا ( دانتى) أغثنى ! .. جاءنى شيخ وضىء كالمسيح ،
|
اكليل قديسين يشرق فوق جبهته العريضة
|
- يا أيها الشيخ الجليل ..
|
الغابه السوداء تعرفها اذا عز الدليل ،
|
التيه .. لانجم هنالك أو فتيل
|
والهول .. وحش بعد وحش بعد وحش
|
باللّه كن أنت الدليل !
|
- الحب .. ليس سواه في الغابات درب .
|
- يا شيخ قل شيئاً يرد الروح .. حب .. أى حب ؟ !
|
الحب في الأسواق قنطار بقرش !
|
- في أي قرن أنت ؟
|
- في قرن له قرنان ..
|
- في العشرين ؟
|
كان اللّه في عون الجميع !
|
أرجو لك التوفيق .. دعنى أنصرف ..
|
- باللّه قف ..
|
- لافائده ..
|
ما عملتى ( الكلحاء ) في السوق الجديد ؟
|
هل قلت " قنطار بقرش " ؟
|
- قبل الفصال ..
|
- اذن وداعا يا بُنَى
|
- خذنى معك
|
- لا أستطيع
|
- رحماك خذنى لو تشاء من الجحيم
|
إلى الجحيم ،
|
فلقد مللت الضرب في هذا السديم !
|
ما كذب الشيخ الخبر
|
فتبعته ، لكننى قبل الجحيم ،
|
قابلت أشباحا تهوم في الفراغ بلا هدف .
|
- لكأنها يا شيخ ذوات الغبار ،
|
عمياء .. تسبح فى ضياء الشمس .. حيرى ..
|
لاتسير ولا تقف .
|
فأشار شيخي باحتقار :
|
- أللامكان
|
لا بالجحيم ولا النعيم .
|
هذا مقر التافهين الجوف والمتنطعين ،
|
عاشوا وماتوا في الهوامش قابعين .
|
- لامنتمين !
|
- مثل القواقع والقنافذ والسلاحف ،
|
( من كان يطرب للقوافى فليضف لفظ الزعانف ) !
|
كانت فلورنسا كما المركب نهبا للعواصف ،
|
كانت كما أم تفتش عن بنيها ..
|
مجنونة .. في ليل زلزال رهيب.
|
كانت كما طير يعود مع المغيب ،
|
فيرى الأفاعى تسكن العش الحبيب ،
|
آها .. فلورنسا التعيسة !
|
كانوا عليها يزحفون .
|
( السود ) كانوا يزحفون كما خنافس ،
|
- كانوا كما الجاموس يقتحم الكنيسة ،
|
والتافهون الجوف من أبراجهم يتفرجون ،
|
هيا بنا هيا .. فما للفارغين سوى الفراغ :
|
- مهلا .. فثمة لى سؤال .
|
ماذا على الشعراء لو لزموا الحياد ..
|
في زحمة الألوان .. ظلوا كالرماد ،
|
كالماء .. لا لون لهم ،
|
وليذهب الشيطان بالألوان طرا .
|
فالشعر شىء والسياسة ..
|
شىء سواه .
|
كالماء والقطران من حيث الكثافة !
|
- يا للسخافة !
|
من قال هذا ؟
|
- هم يقولون الكثير
|
- فليذكروا من عصر " هوميروس " حتى عصركم هذا الحقير ،
|
إسما لعملاق من الشعراء كان بغير لون !
|
- ملأوا من الأسماء آلاف الفهارس .
|
- هذي خنافس ..
|
في الليل تزحف بالألوف .
|
لتعود في ضوء النهار إلى الجحور !
|
- ما الشعر ؟ .. هلا قلت يا دانتى لهم ،
|
فحسمت بيني في الخلاف وبينهم .
|
البعض قال بأنه فن التلاعب بالصور ،
|
والبعض قال بأنه فن التلاعب بالنغم ،
|
وأقول قانون الدراما سره المكنون في كل العصور .
|
- أنا لا أحب الخوض في هذي الأمور .
|
بالرغم من أني أميل لما تقول ،
|
فاكتب ودعك من الذين يثرثرون !
|
- ما زال لغز في الجراب بلا جواب
|
في أى شىء تنظم الأشعار ؟
|
- ما هذا السؤال ؟
|
في كل شىء بالبداهة !
|
- ويظل شعرا ؟
|
- ان يكن من خلق شاعر !
|
قالوا : لغَزَّلٍ صَنَّعٍ ؛ يمكن الغزل الرفيع ..
|
حتى بسـاقٍ للحمار !
|
من أرضكم هذا المثل ..
|
فيما أظن .
|
- ياسيدى كم دوخونا بالجدل ،
|
قالوا بأن الشعر مثل الحلم أضغاث بلا معنى .. رموز ،
|
هذيان محموم ، تعاويذ لساحر ،
|
ورؤى بدائى يرى الأشياء من أحداق طفل ..
|
بحرا هَيُوليا يموج بغير شكل ،
|
فمعارك الطبقات شأن الاجتماع ،
|
ومعارك الأحزاب من شأن " السياسة "
|
والفكر والأفكار شـأن " الفلسفة "
|
وهلم جرا .. ثم جرا .. ثم جرا !
|
- هل بينهم من قال أنى لست شاعراً ؟
|
- حاشاك .. ليسوا يجرؤون !
|
بل هم لذكرك يسجدون ،
|
ويزخرفون بك المقالات الطويلة ..
|
في غير داع - أغلب الأحيان - بل ويقدمونك ..
|
واللّه في تبت المراجع والفهارس !
|
- مهذبون
|
حسنا أراهم يفعلون .
|
والآن قل لي : حاقد أنت عليهم أم على ؟ !
|
- ياشيخ صبرك ..
|
- لم يعد في الطوق صبر !
|
- صنفان هم : لايقرأون ،
|
أو يقرأون ولا يعون .
|
- الفارغون !
|
فليقرأوا لي المأدبه ..
|
اقرأتها ؟
|
- لا والذي حرم الحمير الجنزبيل !
|
- انى طهوت بها صنوف المعرفة ،
|
ودعوت كل الجائعين :
|
" خبزى ويكفي للألوف ،
|
ولدى مازال الكثير ،
|
هذا هو الضوء الجديد ،
|
هذي هي الشمس الجديدة ،
|
اليوم تبزغ للوجود ..
|
من حيث غابت في الدجى الشمس العجوز "
|
لا .. لا يضير الشعر أن يصبح خبزاً للجياع ،
|
لكن يضار الشعر أن أصبح فأراً في المجاعة !
|
هيا بنا ..
|
ونزلت والشيخ الجحيم ،
|
حتى وصلنا تاسع الأدوار فانعقدت على الوجه الوضىء ،
|
سحب من الحزن العميق ،
|
ومن المرارة والغضب ،
|
- هذا مقر الخائنين !
|
- كم كنت تكرههم ..
|
- كما تكره لصا يسرق القرية في ليل الحريق !
|
منكوبة كانت فلورنسا بهم .. بالخائنين .
|
يا ليت كانت للخيانة ..
|
رأس .. اذن لقطعتها .
|
اضرب معي .. اضرب على هذي الرؤوس .
|
دس فوقها بالنعل ، دس فوق المجوس !
|
( فليلعن اللّه الخيانة والقوافي ..
|
لابد من لفظ على وزن الرؤوس ! .. )
|
رحنا ندوس .
|
- إنى لأعجب .. كيف للقلب السماوى الرهيف ،
|
أن يعرف الكره العنيف !
|
- بل ليس يعرف كيف يعشق
|
من ليس يعرف كيف يكره .
|
ولقد عرفت الكره في المنفى .. وذقت مرارة " الخبز الغريب " (6)
|
وضربت في الآفاق من غير اتجاه ،
|
" كسفينة حيرى تسير بغير دفة ..
|
وبلا شراع …" (7)
|
- يا للضياع !
|
- الشمس كانت يابُنَىّ تروح ثم تعود في عرس الصباح ،
|
والطبر كان يعود للأعشاش في ركب المغيب ،
|
وتعود للأشجار أفراح الربيع ،
|
والموج يوغل في البعيد ،
|
ويعود للشطآن لهثا من جديد ،
|
إلا أنا ..
|
إلا أنا .. كالطفل يرقب أمه تغرق لايملك إلا أن ينوح ،
|
ويدق رمل الشط بالقدمين ، بالكفين ، يرفع للسما عينيه ،
|
يسأل معجزة ،
|
والموج يُغْلق فجأة فكيه ، ثم يخيم الصمت العميق ،
|
ويطول .. طال الصمت .. طال بلا نهاية ،
|
والطفل مصلوب .. يحدق .. ينتظر !
|
- بل كنت أنت الطفل يغرق بينما أم تنوح .
|
- كم تعشقون " اللت والعجن " الكثير !
|
- ما الفرق ؟
|
- ثمة ها هنا فرق كبير
|
الأم كات لاتبالي ، كنت منها قيد شعرة ،
|
ولكم مددت ذراعى ، كم صرخت ، فلم تجد حتى بنظرة ،
|
مارق يوما قلبها .. كانت كهرة ،
|
من قال فيكم ذات مرة :
|
" فيالك هرة أكلت بنيها * وما ولدوا وتنتظر الجنينا " ؟!
|
- هذا أمير الشعراء ..
|
شوقى ..
|
- أفيكم أمراء ؟ !
|
- فينا الخطايا السبع ، فينا ما تشاء ..
|
حتى أمير الرقعاء !
|
لكن هذا ليس موضوع الحديث .
|
- عن أى شيىء يا ترى كان الحديث ؟
|
- عن هرة أكلت بنيها !
|
- رباه .. كم أحببت عينيها ..
|
- بياتريس ؟
|
فلورنسا الحبيبة !
|
كم لاعنى المنفى ، كما لو كان مصهور الحديد في جوفى ..
|
أتدرى ما الجحيم ؟ !
|
- ها نحن فيه من الصباح !
|
- لا .. ليس هذا .. فالجحيم ،
|
هو أن تعيش بلا وطن ،
|
وتموت في المنفى ، وتدفن في تراب الآخرين !
|
- الآن اذكر أغنية ،
|
كانت تُـغَـنَّى في المآتم عندنا ،
|
" ودا قبر مين اللي ما حَدْ يروح لُه
|
قبر الغريب اللي ما جُولُه أهلُه
|
ودا قبر مين اللي البقر داسُـه
|
قبر الغريب اللي هَجَرْ ناسه
|
ودا قبر مين اللي البقر هَـدُّه
|
قبر الغريب اللي هجر أرضه "
|
- من قال هذا الشعر ؟
|
- لايدرى أحد
|
هذا يسميه " الثقاة " الفولكلور !
|
- الشعر عندكم بخير ،
|
ما دام هذا بينكم :
|
" ودا قبر مين اللي البقر هده
|
قبر الغريب اللي هجر أرضه "
|
هذا كبيركم وما فيها مرية ،
|
هذا أمير الشعراء ،
|
أَبْلِـغْـهُ إعجابى وأَقرِئْه التحية !
|
( 34 )
|
ستظل مثل حصانك المهزول تعرج ، كل شىء أعرج ، حتى الطرق ،
|
حتى الأمانى في الأفق ،
|
حتى الرؤى شاهت كما في رأس معتوه ، كما أضغاث حلم،
|
كيخوت أنت الوهم أو كل الذي تلقاه وهم ؟ !
|
هذى طواحين الهواء تلف اذرعها الطوال على هواء !
|
ما غاية الدوران يا " دولسين " يا معبودتى غير الدوار ..
|
أو الخيار ،
|
بين الجنون والانتحار ؟ !
|
هاتي حصادك يا سنين ..
|
ماذا لديك سوى الضجيج ؟ أمن طحين ؟ !
|
( 35 )
|
(8) اللبلاب
|
...
|
ويلاه ..أنىَّ كنت لاتلقى سوى المتسلقين ..
|
كم تكره اللبلاب .. يا زحف الأفاعى فوق أشلاء الضحايا .
|
يا سلما نجروه من صلباننا نحن المطايا ..
|
طوبى لنا ، واهنأ بحظك يا يهوذا ،
|
فالأرض لك ،
|
والأمس لك ،
|
واليوم لك ،
|
ولك الغد الموعود ، أما نحن فلنسفح على الموتى الدموع ،
|
فالميتون بلا مكان
|
وبلا زمان !
|
يا للكهانة ..
|
مات المسيح فقام " عمال المساحة "
|
يتقاسمون الأرض ، لو بعث المسيح ..
|
تا اللّه ما أعطوه أشبارا لقبر !
|
يا للتجارة ، يا لسوق الدعارة ..
|
في الهيكل القدسي لاتنفض ، هل في وسعنا غير البصاق ؟ !
|
مرحى .. لنقنع بالبصاق
|
وليعبروا فوق الجثث ..
|
للشاطىء المأمون لا يبتل منهم طرف ثوب ،
|
وليسخروا منا ، من الناموس ، من كل الأقانيم الجليلة ،
|
يا فرحة الأموات في جوف المقابر بالبطولة !
|
كيخوت من في الناس نحن ؟ أأنبياء ؟
|
أم أغبياء ؟
|
أم أن سر عذابنا داء عياء ..
|
داء يسمى الكبرياء ؟ !
|
كيخوت صبرا مثلما أيوب في البلوى صبر .
|
- لا بل كفر !
|
أكذوبة في الصبر يا أيوب ، عشاق الخراب .
|
قد خربونا ثم فازوا " بالخيام المستريحة (9) " !
|
- حتما ستأتى الشمس تطرد ما تعلق من ذباب
|
فوق النوافذ والحوائط والسقوف ،
|
فوق الرفوف .
|
- عجباً .. لماذا لانرى هذا الذباب ،
|
إلا إذا فات الأوان ؟ !
|
فليصمت الحكما طرا "
|
كى يكون الصمت حكمة ( 10 ) " .
|
إنى لأكره أن يزوق لى منافق ..
|
ما لا أصدق ! .
|
( 36 )
|
موال للحنين
|
...
|
الأوله : ياليل يا منفاى !
|
والثانيه : يا ليل ياصليبى الثقيل !
|
والثالثة : يا ليل يا حكاية انتظار !
|
الأولة : يا ليل يا منفاى ،
|
ويلاه حين يطبق الظلام ..
|
كالنعش ، كل كائن ينام ،
|
يا ليل .. كل كائن سواى !
|
والثانيه : يا ليل يا صليبى الثقيل .
|
يا قاتلا يعود للقتيل
|
يعاود الجراح بالمدى .
|
يا كأسى الملىء مر ،
|
الكأس لاتمر ..
|
ان كان غيرنا هو الذى يشاء .
|
الأب في السماء .
|
أو غيره في الأرض !
|
ما حيلة الملاح ..
|
ان شبت النيران في السفن ! ؟
|
والثالثه : يا ليل يا حكاية انتظار ،
|
يا نبض ساعة كنبض قلب ،
|
أعده إلى الصباح .
|
يا نقر أصبع المطر ،
|
على زجاج نافذة .
|
يا ضحكة القطار من بعيد ،
|
يا قطرة من ماء ..
|
تنصب بعد قطرة من ماء ..
|
في الحوض من صنبور ..
|
وتنفذ الأرقام ..
|
الألف بعد الألف والمليون بعده مليون ،
|
ومقلة الغريب لاتنام !
|
يا ليل يا منفاى
|
يا ليل يا صليبى الثقيل
|
يا ليل يا حكاية انتظار !
|
________________
|
6- كلمات دانتي
|
7- كلمات دانتي
|
8- تحكى أسطورة اسكندينافية أن الاله " بالدر رأى أحلاما مزعجة تنذره بالموت.
|
قررت أمه انقاذه من الموت فأخذت عهداً على جميع الأشيا الحية وغير الحية ألا تصيب ابنها بضرر .
|
ولكنها نسيت أن تأخذ العهد على اللبلاب أو ربما تجاهلته لما بدا لها من قلة خطره.
|
وحاولت الآلهة بعد ذلك قتل " بالدر "فرمته بمختلف الأسلحة ولكن عبثا..
|
فما كان من اله الشر " لوكى " إلا أن صنع حربة من اللبلاب
|
وأعطاها للاله الأعمى " خودر " ووجه يده بها إلى صدر بالدر فقتله .
|
ونحن نورد هذه - الأسطورة من باب زيادة الفائدة
|
وسبحان من يضع سره فى أضعف خلقه ..
|
9- التعبير من سفر أبوب " الكتاب المقدس "
|
10- شاندور بيتوفى - الشاعر المجرى الشهير .
|
No comments:
Post a Comment