Friday, 22 June 2012

عندما كره بعض الليبراليين الإخوان أكثر مما أحبوا الثورة!



كتب : 



"إنه موسم تساقط الأقنعة" كما قال الزعيم الوطني د. محمد البرادعي منذ أسابيع قليلة.. عشرات.. مئات.. ربما آلاف الأقنعة سقطت عن وجوه أصحابها لتكشف جوانب سوداء مظلمة منهم.. وأنا كليبرالي أستطيع أن أسمح لنفسي أن أتحدث عن محيطي الليبرالي الذي أعترف أنه يحتاج إلى عملية تطهير كبيرة لكشف وفضح والتبرؤ من مدّعي الليبرالية ممن حسبوا أنها تعني العداء المقيم والأبدي لكل من هو وما هو إسلامي، فهؤلاء هم من أساءوا إلى التيار الليبرالي أكثر مما فعل بعض المشايخ، هؤلاء من قدموه على أنه تيار معادٍ للدين وأن معتنقيه مصابون بالإسلاموفوبيا وأنهم مستعدون أن يبيعوا العالم وعلى رأسه وطنهم وثورتهم لصالح بعض المكاسب السياسية على حساب التيار الديني.

وكلما انتقدت وهاجمت ما يأتون به من الباطل صاحوا بك: انتبه؛ نحن ليبراليون!

سبحان الله! هل يفترض هؤلاء أن الليبرالية تتطلب بالضرورة العداء للتيار الديني؟ ماذا إذن عن أهم مبادئ الليبرالية من تقبل الآخر والتعايش معه ورفض وقوع الظلم حتى لو على الخِصم؟

مرحَى.. ها هم يعودون مجددا ولكن في ثوب ليبرالي بعد أن رأينا بعضهم خلال الأشهر الماضية في ثوب إسلامي.. هؤلاء الذين يسميهم أهل العقل والعلم "حافظين مش فاهمين" والذين يجلبون بأفعالهم العار لتياراتهم تطبيقا للمثل الصعيدي الشهير "ولد السوء يجلب لأهله اللعنة".

تلك الفئة سالفة الذكر من الليبراليين أساءت بشدة إلى نفسها ووطنها والثورة عندما قررت أن تكره الإخوان أكثر مما تحب الثورة المصرية.. فاتخذوا موقفا واضحا مشينا: "نحن ضد الإخوان ولو كان معنى ذلك أن ندعم شفيق وأن نوافق على الإعلان الدستوري المكمل وأن نوافق على كل ما يضر الإخوان".

يمكنني أن أتفهم وأحترم من رفضوا دعم مرسي وفضلوا مقاطعة الانتخابات أو إبطال أصواتهم لعدم اقتناعهم به ولا بشفيق -بالطبع- ولكني لا أستطيع أن أحمل شعورا مماثلا لمن قرروا دعم شفيق نكاية في الإخوان أو لمجرد مخالفتهم.. لو أنه مقتنع بشفيق كشخص فهذا شأنه (رغم عدم قدرتي على تفهم هذا بالمرة) ولكن ما رأيته من داخل الوسط الليبرالي أن شريحة ضخمة ممن أيدوا شفيق إنما فعلوا ذلك فقط بدافع شعورهم العدائي تجاه الإخوان.. ورغبة في كسرهم ولو بمساعدة رجل محسوب على النظام السابق الذي ثرنا ضده.

كذلك لا أتفهم كيف يمكن لليبرالي ينادي بمدنية الدولة واللامركزية واستقلالية مؤسسات الدولة وخضوع كل المؤسسات للرقابة الشعبية والقضائية أن يتقبل إعلانا دستوريا يفرض رقابة عسكرية على أعمال الرئيس ويخلق حالة من المركزية العسكرية ويخرج بمؤسسة القوات المسلحة عن دائرة الرقابة على أعمالها التي تفرضها أي دولة تحترم نفسها على مختلف قطاعاتها؟! لو أنه لا مشكلة لديه في نصوص الإعلان الدستوري فهو حر، ولكنه هنا في رأيي المتواضع يخرج عن دائرة الليبراليين.. فمبادئ الليبرالية السياسية التي ننادي بها تتعارض تماما مع النصوص سالفة الذكر.. أما أن يقرر الموافقة عليه فور صدوره لمجرد أنه يحد من سلطات الرئيس الذي يتوقع الكل أنه د. محمد مرسي مع أنه كان ليرفضه لو كان الفائز بالانتخابات أو المتوقع فوزه مرشحا يدعمه هو، فهنا قد دخلنا في الموافقة على القوانين المرفوضة فقط لأننا ندرك أنها مفصلة على مقاس الخصم لتكبيله.. وهو موقف لا هو بالوطني ولا بالعقلاني ولا حتى بالأخلاقي.

على حد علمي المتواضع فإن من يتخذ موقفا بالموافقة أو الرفض لشيء ما فإنه يفعل ذلك على أساس أبعاد هذا الشيء ذاته.. وليس على أساس "من المستفيد ومن المتضرر".. وهذه كانت مسألة خلافية بين شِقّين من المنتمين إلى التيار الليبرالي.. فالشق الأول -وأنا معه- كان يرى دعم الإخوان والوقوف إلى جانبهم وصفهم رفضا لما يتعرضون له من حملة تشويه وملامح للإعداد لمذبحة لهم كمذبحة خمسينيات القرن الماضي.. هذا الشق لم ينسَ للإخوان إساءتهم إلى الثورة والثوار، ولا هو متقبل رؤيتهم السياسية القائمة على التمكين.. ولكنه قرر الوقوف في صفهم رفضا للظلم ذاته حتى لو وقع هذا الظلم على خصومه.

أما الشِق الآخر وهو صاحب الموقف المشين في رأيي، فقد تعامل مع الظلم للإخوان بطريقة "بركة يا جامع" باعتبار أن ما يضرهم ينفعنا بالضرورة، وهو منطق شديد الأنانية والانفصال عن الأخلاق والوطنية.

والمضحك أن بعض الذين أتحدث عنهم يبررون موقفهم هذا وبغضبهم للإخوان بسبب بيعهم الثوار وإهدارهم دم الشهداء، هذا على أساس أن مدعي الليبرالية هؤلاء لو ساعدوا على تمكين مرشح طالَب الثوار بخلعه من رئاسة الوزراء بعد أن خلعوا رئيسه وتمكين من قتلوا الشهداء وسجنوا الثوار فإنهم يخدمون الثورة.. سبحان الله! كم يلبس أهل الباطل باطلهم بالحق فيضلون ويضللون؟!

إن مِن الناس من لا يقلون غضبا عنهم من الإخوان.. ولكنهم فضلوا مقاطعة الانتخابات أو الإبطال وقرروا الوقوف على الحياد، وهو موقف أختلف معه ولكني أحترمه، أما من قرروا الانحياز إلى الجانب المضاد للإخوان وكأنه مضاد لهم وحدهم مثلا، فقد انحازوا ضد الثورة ذاتها فإن كانت ألسنة الإخوان ملوثة بالتصريحات التي أعطت شرعية لقتل الثوار في محمد محمود ومجلس الوزراء، فإن من يدعمونهم ملوثة أيديهم بل أبدانهم كاملة بدماء الشهداء.
                            
لن أملّ قولها: نحن ثوار مبادئ، ولن ترى في الثوار من هو بغير مبادئ ولا ثوابت، فمن هو كذلك إنما هو دخيل على الثورة ومجرد باحث عن دور ما، والمفروض أن روح التضحية لدى الثوري لا تتضمن فقط استعداده للتضحية بحياته وحريته بل تتسع لتشمل استعدادا منه للتضحية برؤيته الشخصية الفردية لصالح رؤية أخرى ربما لا تتفق معها بنسبة مئة بالمئة، طالما اتفقت في مبادئ الثورة المصرية الثلاث التي هتفت بها الجماهير "عيش- حرية- عدالة اجتماعية".. فمن المنطقي أن تتنوع رؤى الثوار بين ليبرالي واشتراكي وإسلامي وعلماني وشيوعي بل ولا منتمي إلى أي من تلك الاتجاهات.. فهل من العقل أن يتعامل بعضنا بطريقة "فيها لأخفيها" في هذا الوقت شديد الحساسية من تاريخ الثورة؟!

كما أسلفت القول.. فهؤلاء الذين أتناولهم في هذا المقال كلما جادلتهم وعارضتهم ينبهونك بأنهم ليبراليون.. هناك من خدعهم وأقنعهم أن الليبرالية عليها أن تعادي التيار الديني وتصفق لمصائبه حتى لو كانت هذه المصائب تصيب الوطن كله.. ثم بعد ذلك -سبحان الله!- يضيقون بتصريحات بعض أهل التيار الديني أن الليبراليين يعادون الإسلاميين، وأن الليبرالية تتعارض مع الإسلام.. ما هذا العبث؟

إني -وكل من حذا حذوي- بانحيازنا إلى الإخوان في الفترة الأخيرة لم نتخلَ عن ليبراليتنا.. بل إن من انحازوا إلى الدولة العسكرية والنظام السابق هم من انشقوا عن ليبراليتهم ولم يعد لهم منها سوى اسم أنيق يتشدقون به ذهابا وإيابا.

أقولها أنا للجميع إذن وأجري على الله.. هؤلاء ليسوا ليبراليين ولو تمسحوا بالليبرالية، وليسوا ثوارا ولو تمسحوا بالثورة.. فلا تحسبوهم على التيار الليبرالي ولا على الثورة.. هؤلاء قوم تتلخص رؤيتهم السياسية في أنهم يخشون على مستقبل البيكيني الذي سيسمح به الفلول أكثر مما يخشون على مستقبل لقمة الخبز التي سيوفرها الإخوان للغلابة.

وإني كمصري وثوري وليبرالي أتبرأ منهم.. ولتشهدوا على ذلك.

1 comment:

  1. هوامش حرة
    العقاب العادل
    بقلم: فاروق جويدة
    الثلاثاء 26 يونيه 2012




    خرجت النخبة المصرية من مولد الثورة بلا حمص‏..‏ ولاشك ان العقاب عادل وان هذه النخبة قد جنت ما غرست حين تواطأت مع كل الجبهات ولعبت علي كل الحبال وكانت النهاية المؤسفة‏.‏

    في الجانب الآخر لعبت جماعة الإخوان المسلمون مباراة سياسية في غاية البراعة مع كل القوي السياسية الأخري إرتكبت أخطاء فادحة حين تخلت عن الثوار في موقعة مجلس الوزراء ومحمد محمود وماسبيرو ولكنها لم تفقد قدرتها علي المقاومة والمناورة ونزلت إلي الشارع ولم تغادره لحظة واحدة منذ قامت الثورة بينما اكتفت نخبة الليبراليين والعلمانيين ورفاق كل صاحب سلطة بالفضائيات والأحاديث والمهاترات والمعارك وراهنت كما اعتادت دائما علي السلطة ولم تراهن علي الشعب.. لقد أضاعت النخبة المصرية وقتا طويلا في الصراعات والمعارك وفقدت الكثير من مصداقيتها امام تبديل المواقف.. كنت أشاهد الثوار وادعياء الليبرالية وهم يتنقلون علي موائد رجال الأعمال من رموز العهد البائد ويجمعون الثمار من هنا وهناك وخرجوا جميعا بهزيمة ساحقه.. لا أعتقد ان هناك هجمة إعلامية شهدها الإعلام بكل وسائله مثل تلك الحملة التي شنتها النخبة المصرية علي الإخوان المسلمين والتيارات الدينية لا أعتقد ان هذه النخبة خاضت هذه الحملة ضد إسرائيل أو الصهيونية العالمية.. كانت الحملة تشبه حملات النظام السابق ضد معارضيه في أواخر ايامه بل إنها كانت أكثر شراسة وتجريحا وكانت النتيجة ان الإخوان المسلمين كانوا أكثر صمودا وأكثر إلتحاما بالمواطنين حتي جاءت ساعة الحصاد.. هناك خلافات كثيرة يمكن ان نتوقف عندها في موقف الإخوان المسلمين والتيارات الدينية وهناك سلبيات كثيرة ولكن ذلك لا يعطي أحدا الحق في رفضهم أو إقصائهم عن المشهد السياسي وكأنهم جنود احتلال.. أخطأت النخبه حينما رفضت مجرد الحوار وعزلت التيارات الأخري وزادها العزل شراسة وإصرارا علي البقاء وكانت معركة الإعلام المصري في الشهور الأخيرة أكبر إنجاز حققته التيارات الإسلامية في العصر الحديث والأن علي هذه التيارات التي تدعي المدنية ان تعيد حساباتها وتنزل إلي الشارع وتعيش بين المواطنين فقد إنتهي زمن السلطة وجاء زمن الشعوب.
    fgoweda@ahram.org.eg

    ReplyDelete