مختارات من رواية البيت والعالم ل .. طاغور

اقتباسات من رواية البيت والعالم ل .. طاغور
ترجمة دكتور شكرى محمد عياد .. أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة
عن روايات دار الهلال 

ان الرجل النهم الذى يحب سمكته المطبوخة لايتأذى من تقطيعها حسب حاجته ، ولكن الرجل الذى يحب السمكة يريد ان يستمتع بها فى الماء ، واذا استحال عليه ذلك فانه ينتظر على الشط ، واذا عاد الى بيته دون أن يقع نظره عليها فانه يتغذى بمعرفة ان السمكة بخير . الكسب الكامل هو أفضل شئ . ولكن اذا استحال ذلك فان أفضل شئ بعده هو الخسارة الكاملة .
===
كأنما  حبه لى يفيض  فوق حدودى بفيض سخائه وعطائه . ولكن حاجتى كانت الى العطاء أكثر من الأخذ ، فالحب صعلوك شرير يفتح ازهاره فى تراب الطريق أحسن مما يفتحها فى أصص البللور التى توضع فى حجر الجلوس .

===== 

كل شئ يرتكض و يتموج  فى فيض آب . شط الأرز له أطراف طفل رضيع ، والماء قد غزا الحديقة المجاورة لمنزلنا ، ونور الصباح يهراق على الأرض كأنه حب السماء الزرقاء ، فلماذا لاأقدر ان أغنى ؟ ماء النهر البعيد يرعش الضوء ، وأوراق الأشجار تتلألأ ، وحقول الأرز تنتابها رعدات فيندلع منها لمعان الذهب ، وفى سيمفونية الخريف هذه لايبقى صامتا الا انا . ان اشراق العالم يصيب قلبى ولكنه لاينعكس منه .

===== 

وهكذا تاتى المأساة فى الحياة من تلقاء نفسها  . فى اول الأمر ترقد كالشئ الصغير فى قبو مظلم ، وفى آخر الأمر تهدم البناء كله . ان المأساة الحقيقية هى ان الانسان لايعرف نفسه على حقيقتها .

=== 

ان الحياة غير محدودة - انها حزمة من المتناقضات . ونحن البشر نجاهد بأفكارنا لنعطيها شكلا معينا بان نصهرها فى قالب معين ، هو قالب النجاح المحدود . فكل غزاة العالم من الاسكندر الى أصحاب الملايين الأمريكيين  يطبعون من أنفسهم سيفا أو دارا لسك النقود ، وبذلك يجدون تلك الصورة الواضحة من أنفسهم ، التى هى مصدر نجاحهم .

=== 

مرة أخرى هذه النظرة القاتمة التى لاأستطيع الخلاص منها ! لماذا هى بالوعة ولماذا هى عكرة ؟ ان أسماء تقال فى نوبة غيرة لن تغير حقائق العالم . ان لم تكن هى لى فليست لى ، ولن يثبت الغضب والغيظ والجدل انها لى . وان كان قلبى ينصدع فلينصدع ! فلن يغدو العالم مفلسا بسبب ذلك - ولاانا نفسى ، فالانسان أكبر كثيرا مما يفقده فى هذه الحياة . حتى بحر الدموع له شاطئه الآخر ، ولولا ذلك مابكى انسان .

=== 

ان اختبارى لعسير . فطالما اشتدت حاجتى الى معين لم أجد غير نفسى . ولكننى آليت أن انتصر حتى فى هذا الاختبار . لأخطون وحيدا فى طريقى الشائك الى حيث تنتهى رحلة هذه الحياة .

=== 
هل يجب أن يستمر هذا الى آخر أيامى ؟ اننى أنتبه مرة بعد مرة وأنظر الى نفسى ، وافكر ان حياتى كابوس سيختفى فجأة بكل مافيه من مجافاة للحقيقة . لقد أصبحت متناقضة تناقضا مخيفا ، لاارتباط لها بماضيها . أما ماذا تكون ، وكيف صارت الى هذا المأزق ، فذلك مالاأستطيع أن أفهمه .
=== 
انها حق ، ولهذا رأيتها وسأراها كثيرا حتى فى أخطائى ، حتى فى اكثف غمامة من الدمع ، لقد رأيتها وفقدتها فى زحمة سوق الحياة ، ووجدتها ثانية ، وسأجدها مرة أخرى عندما أنجو خلال ثغرة الموت .
آه ياحبيبتى القاسية ، لاتمضى فى لعبك بى ! ان كنت قد عجزت عن الاهتداء اليك بآثار خطاك على الطريق ، وعبق جدائلك فى الهواء فلا تجعلينى أبكى ذلك أبدا . النجمة المسفرة تأمرنى ألا اخاف ، فماهو ابدى لابد أن يكون موجودا دائما .
=== 
وامتلأ قلبى بفكرة ان حبى الخالد ينتظرنى صابرا خلال العصور ، خلف حجاب الأشياء المادية ، خلال حيوات كثيرة . فى مرايا كثيرة رأيت صورتها - مرايا مكسورة ، مرايا معوجة ، مرايا مغبرة . وكلما حاولت أن أجعل المرآة مرآتى انا ، وأغلق عليها صندوقى ، غابت الصورة عن ناظرى . ولكن ماذا فى ذلك ؟ ماذا أصنع بالمرآة ، بل بالصورة نفسها ؟
===
لخير لك أن تصرف الدنيا بالضحك من ان تغرقها بالدموع . هكذا - فى الحق - تسير الدنيا . فنجن لانلذ طعامنا وراحتنا الا اننا نطرد الأحزان المنتشرة فى كل مكان ، فى البيت وفى العالم الخارجى ،كما لو كانت أشباحا خاوية ، ترى أين كانت تذهب شهيتنا ونومنا لو أننا نظرنا الى تلك الأحزان ، ولو مرة واحدة ، على انها حقائق ؟
ولكننى لاأستطيع أن أطرد نفسى كما لو كانت واحدا من تلك الأشباح . ولهذا يرقد حمل حزنى ثقيلا ثقل الأبد على قلب عالمى .
 ===
 لاشئ فى الخليقة أغرب من انسان وحيد . حتى ذلك الذى مات أحباؤه جميعا واحدا بعد واحد ليس بوحيد ، فالصحبة تاتيه من خلف ستار الموت . اما الذى تكون عشيرته معه ولكنهم لم يعودوا قريبين اليه ، الذى انقطع عن كل ضروب الصحبة فى البيت الكامل ، فذلك يبدو عالم النجوم نفسه وكأنه يقشعر من النظر اليه فى ظلامه .

أنا لااوجد حيث أوجد . انا نائية عن اولئك الذين يحيطون بى ، أنا أعيش واتحرك فوق هوة من الانفصال عرضها العالم كله ، قلقة كنقطة الندى على ورقة اللوتس .

لماذا يتغير الناس تغيرا تاما حين يتغيرون ؟ عندما انظر فى قلبى أجد أن كل ماكان فيه لايزال فيه ، الا انه انقلب رأسا على عقب .الأشياء التى كانت مرتبة أصبحت ملقاة بعضها فوق بعض . الجواهر التى كانت منظومة فى عقد أصبحت ترقد فى التراب . ولهذا قلبى يتصدع .

أشعر انى أريد الموت ، لكن فى قلبى كل شئ مازال يحيا - وحتى فى الموت لايمكننى أن أرى النهاية ، بل اخال ان فى الموت مزيدا من الأسى . مايجب انهاؤه فلينه فى هذه الدنيا - فليس غير هذا سبيل .

=== 

لقد وصلت الى التمييز بين ماهو حقيقة فى وماكنت أتوهم غفلة منى أنه فى ، وسوى حساب الربح والخسارة وأصبح الباقى هو نفسى - لانفسا كسيحة مكسوة بالخرق والمزق ، ولانفسا مريضة تغذى بطعام المرضى ، بل روحا خاضت أشد البلاء واستطاعت ان تعيش .

=== 

ان المنزل الذى خلا بافتراق الحبيبين تظل فى قلب فراغه موسيقى . ولكن المنزل الذى خلا لأن القلبين انقسما يكون مخيفا فى صمته . حتى صرخة الألم لامكان لها هناك .

=== 
ان القدر يترك حياتنا مشكلة بصورة غير كاملة ، لأنه يريد أن نضع بأنفسنا اللمسات الأخيرة ، ونعطيها الشكل النهائى الذى نرغبه . ولقد كان فى نفسى دائما شوق الى التعبير عن فكرة عظيمة خلال تشكيل حياتى على مارسم الخالق . فى هذا الجهد أنفقت أيامى جميعا ، ولايعلم الا المطلع على القلوب باى قسوة كبحت رغباتى ، وقمعت نفسى فى كل خطوة .
=== 
يجب ألا أفقد ايمانى . سأنتظر . ان المعبر من العالم الضيق الى العالم الاوسع ملئ بالعواصف . وعندما تألف هذه الحرية ساعلم أين مكانى ، فاذا وجدت أنى لاألائم نظام العالم الخارجى فلن اتعارك مع قدرى ؟ بل سأستأذن فى الرحيل صامتا ... استخدم القوة ؟ ولكن من أجل ماذا ؟؟ هل يمكن للقوة أن تغلب الحقيقة ؟