Saturday, 28 January 2012

الى صديقة جديدة

الى صديقة جديدة
نزار 






وَدَّعتُكِ الأمس ، و عدتُ وحدي
مفكِّراً ببَوْحكِ الأخيرِ
كتبتُ عن عينيكِ ألفَ شيءٍ
كتبتُ بالضوءِ و بالعبيرِ
كتبتُ أشياءَ بدون معنى
جميعُها مكتوبة ٌ بنورِ
مَنْ أنتِ . . مَنْ رماكِ في طريقي ؟
مَنْ حرَّكَ المياهَ في جذوري ؟
و كانَ قلبي قبل أن تلوحي
مقبرةً ميِّتَةَ الزُهورِ
مُشْكلتي . . أنّي لستُ أدري
حدّاً لأفكاري و لا شعوري
أضَعْتُ تاريخي ، و أنتِ مثلي
بغير تاريخٍ و لا مصيرِ
محبَّتي نار ٌ فلا تُجَنِّي
لا تفتحي نوافذ َ السعيرِ
أريدُ أن أقيكِ من ضلالي
من عالمي المسمَّم ِ العطورِ
هذا أنا بكلِّ سيئاتي
بكلِّ ما في الأرضِ من غرورِ
كشفتُ أوراقي فلا تُراعي
لن تجدي أطهرَ من ما عندي من شرور
للحسن ثوراتٌ فلا تهابي
و جرِّبي أختاهُ أن تثوري
و لتْثقي مهما يكنْ بحُبِّي
فإنَّه أكبر ُ من كبيرِ

هل هذه علامة؟

هل هذه علامة؟
نزار 






لم أتأكد بعدُ، يا سيدتي، من أنت..
هل أنتِ أنثايَ التي انتظرتها؟
أم دمية قتلتُ فيها الوقت
لم أتأكد بعدُ، يا سيدتي
فأنت في فكري إذا فكرت..
وأنت في دفاتري الزرقاء..
إن كتبت..
وأنت في حقيبتي..
إذا أنا سافرت
وأنتِ في تأشيرة الدخولِ،
في ابتسامة المضيفة الخضراءِ،
في الغيم الذي يلتفُّ كالذراع..
حولَ الطائرة
وأنت في المطاعمِ التي تقدم النبيذَ،
والجبنَ بباريسَ، وفي أقبية المترو التي
يفوحُ منها الحبُّ، و (الغولوَاز)..
في أشعار (فرلين) التي تباعُ
عند الضفة اليسرى من (السينِ)
وفي أشعار (بودليرَ) التي تدخلُ
مثل خنجرٍ مفضضٍ.. في الخاصرة..
وأنت في لندن، تلبسينني
ككنزةٍ صوفيةٍ عليك إن بردت
وأنتِ في مدريدَ،
في استوكهولمَ،
في هونكونغَ،
عند سدِّ الصينٍ،
ألقاكِ أمامي حيثما التفتّ..
في مطعم الفندق، في مشربهِ..
أراكِ في كأسي إذا شربت
أراكِ في حزني إذا حزنت
أريد أن أعرف يا سيدتي
هل هذه علامة بأنني أحببت؟

لا تُحسبينَ جميلةً

لا تُحسبينَ جميلةً
نزار 






لا تُحسبينَ جميلةً جداً
إذا أُخذت مقاييسُ الجمالِ..
لا تُحسبينَ مثيرةً جداً..
إذا دار الحديثُ عن الغوايةِ والوصالِ
لا تُحسبينَ خطيرةً جداً..
إذا كان الهوى..
معناه أن تتحكمَ امرأةٌ بأقدارِ الرجالِ
لكن شيئاً فيكِ سرياً..
وصوفياً.. وجنسياً.. وشعرياً..
يحرضني.. ويقلقني.. ويأخذني
إلى ألف احتمالٍ واحتمالِ..
لا تُحسبينَ جميلةً جداً..
لكن شيئاً فيك يخترق الرجولة،
مثلَ رائحة النبيذ، ومثلَ عطر البرتقالِ..
شيئاً يفاجئني..
ويحرقني..
ويغرقني..
ويتركني بين الحقيقة والخيالِ
لا تحسبين جميلةً..
لكن شيئاً فيكِ مائياً..
طفولياً.. بدائياً.. حضاريّاً..
عراقياً .. وشامياً..
يكلمني..
ويرفض أن يجيبَ على سؤالي..
لا تحسبين جميلةً..
لكن شيئاً فيكِ أقنعني..
وعلَّمني القراءةَ، والكتابةَ،
والحروف الأبجديّهْ
فإذا بسنبلةٍ تمشط شعرها في راحتيه
وإذا بعصفورٍ صغيرٍ جاء يشربُ
من مياهي الداخلية
اللّهَ.. كم هو رائعٌ..
أن تصبح امرأةٌ قضّيهْ..

إلى صامتة

إلى صامتة
نزار 






.. تكلمي .. تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى .. عندما
.. توضع في إناء
، كالطير في السماء
والأسماك في البحار
. واعتبريني منك يا حبيبتي
.هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا؟
.تبقى لنا أسرار
.. تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
، عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
.. زرت في النهار
.. والمسرحيات التي شاهدتها
.. والطقس ، والأسفار
.. تحدثي
عما تحبين من الأشعار
، عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
.. تحدثي إلي عن بيروت
.. وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
.. فإن أخبارك يا حبيبتي
.. سيدة الأخبار
.. تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
.. تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
، عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
(من (شارع الحمراء
، تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
- أي كتاب - مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت
لون التبغ والورد ككل عام ؟
.. تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
،فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
.. عادية
تبدو لك الأشياء
.. سطحية
تبدو لك الأشياء
.. لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
.. وأنت في الأشياء
.. وأنت في الأشياء

هل تجيئين معي إلى البحر؟

هل تجيئين معي إلى البحر؟
نزار


1
هل تهرُبين معي من الزَمَن اليابسِ إلى زَمَن الماءْ؟
فنحنُ منذُ ثلاثِ سنينْ
لم ندْخُلْ في احتمالات اللون الأزرقْ
لم نُمْسِكْ بأيدينا..
أُفُقاً..
أو حُلُماً.. أو قصيدَهْ..
لقد جعلتْنا الحربُ الأهليَّةُ حيوانيْنِ بَرِّيَيْنْ
يتكلمَّانِ دونَ شهيَّهْ..
ويتناسلانِ دونَ شهيَّهْ
ويلتصقانِ ببعضهما بصَمْغ العادات المُكْتَسَبَهْ
قهوتي التُركيّةُ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ..
وحَمَّامُكِ الصَبَاحيُّ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ..
ولونُ مناشِفِكِ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ....
فلماذا لا تلبسينَ قُبَّعَةَ الشمسْ؟
وتأتينَ معي..
إنّني ضجرتُ من هذه العلاقة الاكاديميَّهْ
التي أعْطَتْكِ شكلَ النساءِ المتزوجاتِ دونَ حُبّْ
وأعطتْني..
شَكْلَ القصيدة العَمُوديَّهْ...
***
2
هَشَّةٌ.. وقابلةٌ للكَسْرْ..
تَتَشَابَهُ كمنشورٍ سياسيّْ
كلُّ أنواع الكحولْ..
لها مَذَاقٌ واحدٌ.. ومفعولٌ واحدْ..
كلُّ الطُرُقاتِ إلى نهدَيْكِ
تُؤدّي إلى الانتحارْ..
فلماذا.. لا نخرجُ إلى البحرْ؟
إنَّ البحرَ لا يكرِّرُ نفسَهْ..
ولا يُعيد كتابةَ قصائِدِهِ القديمَهْ..
البحرُ.. هو التغيُّرُ والولادَهْْ..
وأنا أريدكِ أن تتغيَّري.. وأن تُغيِّريني..
أريدُ أن ألِدَكِ.. وأن تلِدِيني..
أريدُ أن تَنْقُشيني بالخَطِّ الكُوفيِّ على جِلْدكْ
كما تنقشُ المرأة العاشقةُ..
إسمَ رَجُلِها على صدرها..
قبلَ أن يذهبَ إلى الحربْ..
أريدُ أن أمشي معكِ تحت شجر الشِّعْرْ..
وأضَعَ في يَدَيْكِ الصغيرتينِ أساورَ الشِّعْرْ..
أريدُ أن أطلقَ سراحَكِ من هذه الزَنْزَانَة العربيَّهْ
التي أعطتكِ شكل النساء المتزوجات دون حُبّْ..
وأعطتني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ...
3
لقد انفجرتْ بيروتُ بين أصابعي..
كَدَواةٍ بنفسجيَّهْ..
فساعديني على ترميم وجهي..
فاللغةُ قطارٌ ليليٌّ بطيءْ
ينتحر فيه المسافرونَ من شدّة الضَجَرْ
فتعاليْ نطلقِ النارَ على الأحرف الأبجديَّهْ..
ألا يُمكنني أن أُحِبَّكِ خارج المخطوطات العربيَّهْ؟
وخارجَ الفَرَمَانات العربيَّهْ..
وخارجَ أنظمة المرور العربيَّهْ..
وخارجَ الأوزان العربيَّهْ..
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ألا يمكنني أن أجلس معكِ في الكافيتيريا؟
دونَ أن يجلس معنا أمرؤ القيْسْ؟
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ألا يمكنني أن أدعوكِ للرقصْ؟
دون أن يرقصَ معنا البُحتريّْ..
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ثمَّ.. ألا يمكنني أن أوصلكِ إلى منزلك في آخر الليل..
إلاّ بحراسة رجُلِ المُخَابرات عنترةَ العبسيّْ..
آهٍ.. كم هو مُتْعِبٌ أن أتغزَّلَ بعينيكِ..
وأنا تحتَ الحراسَهْ..
وأتجوَّلَ في ليل شعرك.. وأنا تحت الحراسَهْ....
آهٍ.. كم هو مُتْعِبٌ..
أن أُحِبَّكِ بين فَتحَتَيْنِ..
أو هَمْزَتَيْنِ..
أو نُقْطَتَيْنْ..
فلماذا لا نرمي بأنْفُسِنا من قطار اللغَهْ.؟
ونتكلَّم لغة البحرْ؟
4
هل تجيئينَ معي إلى البحرْ؟
لنحتمي تحت عباءته الزرقاءْ.
لقد تفكَّك الزمنُ بين أصابعنا
وتفكَّكت عناصرُ عينيكِ..
فساعديني على لَمْلَمَتِكِ.. ولملمة شَعْرِكِ الذي ذَهَبَ ولم يترك لي عنوانَهْ..
فأنا أركضُ .. وهو يركض أمامي كدجاجةٍ مذبوحَهْ..
ساعديني في العثور على فمي..
فقد أخذتِ الحربُ دفاتري وخَرْبَشَاتي الطفوليَّهْ
أخذتِ الكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلكِ أجملَ النساءْ
والكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلني أعظمَ الشعراءْ..
هل أبوحُ لكِ بسِرٍّ صغيرْ؟
إنني أصيرُ قبيحاً عندما لا أكتُب..
وأصيرُ قبيحاً عندما لا أعشَقْ..
فساعديني على استعادة المجديْنْ..
مَجْدِ الكتابةِ.. ومَجْدِ العشقْ..
5
هل تدخلينَ معي في احتمالات اللون الأزرقْ..
واحتمالات الغَرَق والدُوارْ..
واحتمالات الوجه الآخرِ للحُبّْ..
لقد دمّرتْني العلاقةُ ذاتُ البُعْد الواحدْ
والحوارُ ذو الصوت الواحدْ..
والجِنْسُ ذو الإيقاع الواحدْ..
وتلبسينَ جلْدَ البحرْ؟
وتلبسينَ جُنوني...
لماذا لا تخلعينَ ثوبَ الغبار.. وتلبسينَ أمطاري؟..
لقد تكدَّسَ على شفاهنا شوكٌ كثيرٌ.. وضجَرٌ كثيرْ
فلماذا لا نثورُ على هذه العلاقة الأكاديميَّهْ..
التي أعْطَتْكِ شَكْلَ النساءِ المتزوجاتْ..
وأعطَتْني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ!!..
لماذا لا تخلعين جلدكِ..
وتلبسينَ جلْدَ البحرْ؟
لماذا لا تخلعينَ طقْسَكِ المعتدلْ؟.
وتلبسينَ جُنوني...
لماذا لا تخلعينَ ثوبَ الغبار.. وتلبسينَ أمطاري؟..
لقد تكدَّسَ على شفاهنا شوكٌ كثيرٌ.. وضجَرٌ كثيرْ
فلماذا لا نثورُ على هذه العلاقة الأكاديميَّهْ..
التي أعْطَتْكِ شَكْلَ النساءِ المتزوجاتْ..
وأعطَتْني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ!!..

حين أحبك

حين أحبك
نزار 






يتغيَّرُ – حينَ أُحِبُّكِ – شكلُ الكرة الأرضيَّهْ..
تتلاقى طُرق العالم فوق يديْكِ.. وفوقَ يَدَيَّهْ
يتغيَّرُ ترتيبُ الأفلاكْ
تتكاثرُ في البحر الأسماكْ
ويسافرُ قَمَرٌ في دورتي الدَمَوِيَّهْ
يتغيَّرُ شَكْلي:
أُصبحُ شَجَراً.. أُصبحُ مَطَراً..
أُصبِحُ أسودَ، داخلَ عينٍ إسبانيَّهْ..
***
تتكوَّنُ – حينَ أُحبّكِ- أَوديَةٌ وجبالْ
تزدادُ ولاداتُ الأطفالْ
تتشكَّلُ جُزرٌ في عينيكِ خرافيَّهْ..
ويشاهدُ أهلُ الأرضِ كواكبَ لم تخطُرْ في بالْ
ويَزيدُ الرزق، يزيدُ العشقُ، تزيدُ الكُتُبُ الشِعريَّهْ..
ويكونُ اللهُ سعيداً في حجْرَتِهِ القَمَريَّهْ..
تتحضَّرُ – حينَ أُحبّكِ- آلافُ الكَلماتْ
تتشكَّلُ لغةٌ أخرى..
مُدُنٌ أُخرى..
أُمَمٌ أُخرى..
تُسرِعُ أنفاسُ الساعاتْ
ترتاحُ حروفُ العَطْف.. وتَحْبَلُ تاءاتُ التأنيثِ..
وينبتُ قمحٌ ما بين الصَفَحَاتْ
وتجيءُ طيورٌ من عينيكِ.. وتحملُ أخباراً عسليَّهْ
وتجيءُ قوافلُ من نهديكِ.. وتحملُ أعشاباً هنديَّهْ
يتساقطُ ثَمَرُ المانغو.. تشتعلُ الغاباتْ
وتَدُقُّ طُبُولٌ نُوبِيَّهْ..
***
يمتلئُ البحرُ الأبيضُ - حينَ أُحِبُّكِ- أزهاراً حمراءْ
وتلوحُ بلادٌ فوق الماءْ
وتغيبُ بلادٌ تحت الماءْ
يتغيَّرُ جلدي..
تخرجُ منهُ ثلاثُ حماماتٍ بيضاءْ
وثلاثُ ورودٍ جُوريَّهْ
تكتشفُ الشمسُ أنوثَتَها..
تَضَعُ الأقراطَ الذهبيَّهْ
ويهاجرُ كلُّ النحل إلى سُرَّتكِ المنسيَّهْ
وبشارع ما بين النهدينْ..
تتجمَّعُ كلُّ المَدَنِيَّهّْ..
يستوطنُ حزنٌ عبَّاسيٌّ في عينيكِ..
وتبكي مُدُنٌ شِيعيَّهْ
وتلوحُ مآذنُ من ذَهَبٍ
وتُضيءُ كُشُوفٌ صوفيَّهْ
وأنا الأشواقُ تُحوِّلني
نَقْشاً.. وزخارفَ كُوفيَّهْ
أتمشّى تحت جسور الشَعْر الأسودِ،
أَقرأُ أشعاري الليليَّهْ
أَتَخَيَّلُ جُزُراً دافئةً
ومراكبَ صيدٍ وهميَّهْ
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جُزُر الهند الشرقيَّهْ..
***
يتخلَّصُ نهدُكِ - حينَ أُحِبُّكِ – من عُقْدَتِهِ النفسيَّهْ
يتحوَّلُ برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليَّهْ..
تَتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ – كلُّ المُدُنِ العربيَّهْ
تتظاهر ضدَّ عصور القَهرِ،
وضدَّ عصور الثأر،
وضدَّ الأنظمة القبليَّهْ..
وأنا أتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ – ضدَّ القبح،
وضدَّ ملوكِ الملحِ،
وضدَّ مؤسَّسة الصحراءْ..
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...

مَنْ عَلَّمني حُبَّاً .. كُنْتُ له عَبْدَا

مَنْ عَلَّمني حُبَّاً .. كُنْتُ له عَبْدَا
نزار 





1
مَن علَّمني
كيفَ أُقَشِّرُ كالتُفَّاحةِ قلبي
حتَّى تأكُلَ منهُ نساءُ الأرضِ جميعاً
كنتُ له عَبْدَا...
2
مَنْ عَلَّمني
كيفَ أُؤسِّسُ وطناً
يُشْبِهُ شَكْلَ القلبِ ،
وشَكْلَ الشِرْيَانِ التاجيِّ ،
وشَكْلَ العُصْفُورِ الدُوريِّ ،
وشَكْلَ التُفَاحِ الشامِيِّ ،
لكنتُ لهُ أيضاً عَبْدَا ...
3
مَنْ عَلَّمني
كَيفَ أُحِبُّ امرأَةً حتَّى حَدِّ الهَذَيَانِ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ بوُسْع امرأةٍ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَنْ تتحرَّكَ مثلَ السَمَكِ الأحمرِ داخلَ شِرْيَاني
مَنْ عَلَّمني
كيفَ بوُسْع امرأةٍ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَنْ تخترعَ الشِعْرَ
وتَرْسُمَ شَكْلَ الأَزْمَانِ ..
مَنْ عَلَّمني
كيفَ تصيرُ امرأَةٌ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَقوى نَوْعٍ من أنواعِ الإِدْمَانِ
مَنْ عَلَّمني ما لا أَعْلَمُ
كنتُ له دوماً عَبْدَا ..
4
مَنْ علَمني
أَوَّلَ دَرْسٍ في أحوالِ الوَجْدْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُواصِلُ عِشْقي
منذُ المَهْدِ .. وحتَّى اللَّحدْ ..
مَنْ عَلَّمني
أَنْ أَسْتَخْرِجَ ذَهَباً مِن أَوْدِيَة النَهْدْ
مِنْ عَلَّمني أَنَّ حبيبي
نَوعٌ من أَعشابِ البحرِ ،
وفَرْعٌ من عائلةِ الوَردْ
مَنْ سَمَّاني مَلِكاً في تاريخ العِشْقِ ،
فقد أعطاني كلَّ المجدْ
مَنْ ثَقَّفني ..
مَنْ شَرَّفَني بهوى امرأةٍ
كنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ...
5
مَنْ علَّمني
كيفَ أقولُ كلاماً يُشْبِهُ رائحةَ الحِنْطَهْ
أو يُشْبِهُ لونَ الخُبْز الطالعِ من عند الفَرَّانْ
مَنْ علَّمني
أَنْ أَتزَوَّج هذا الشَعْبَ ،
وأَرفُضَ أَيَّ زواجٍ بالسُلْطَهْ
وعُقُودَ اللُؤلُؤِ والمَرْجَانْ ..
مَن عَلَّمني
كيفَ أُواجهُ بالأزهارِ ، وبِالأَشعارِ ،
هَرَواتِ الشُرْطَهْ
مَنْ عَلَّمني
أَنْ لا أعملَ سائسَ خيلٍ عند الوالي
أو جاريةً ترقُصُ في حَفَلات (البابِ العالي)
مَنْ علَّمني
أَنْ لا أحنيَ قامةَ شِعْري
كنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ..
6
مَنْ علَّمني
كيفَ أُغَيِّرُ .. كيفَ أُدَمِّرُ ..
كيفَ أُكَنِّسُ هذا القُبْحَ ،
وأَزْرَعُ في الأرض الرَيْحَانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ سأُنْقِذُ هذا المركبَ ،
من أَنواءِ البَحْرِ ،
وأسنانِ الجُرْذَانْ
من أعطاني عُودَ ثِقَابٍ
حتَّى أُحرقَ كلَّ أكاذيبِ التاريخ ،
لكنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ..
7
مَنْ عَلَّمني
أَنْ أَنْقضَّ على الأَشياءِ
وأَرْفعَ راياتِ العِصْيَانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُسافرُ ضدَّ الموجِ .. وضدَّ الريحِ ..
وأُشعلُ في البحر النيرانْ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ تكونُ الكِلْمةُ سَيْفاً
في وجهِ السُلْطانْ
من أهداني سِفْرَ الثورةِ ،
كنتُ له دوماً عَبْدَا ..
8
مَنْ علَّمني
كيفَ أَموتُ على أوراقي
حتَّى ينتصرَ الإِنسانْ .
مَن علَّمني
كيفَ أُكَوِّرُ قلبي مثلَ رغيفِ الخبز ،
لكي أُطعِمَهُ للإِنسانْ .
مَنْ علَّمني
كيفَ أُزيلُ الكِلْفَةَ بين كِتَابِ الشِعْرِ ،
وأفواهِ الفُقَراءْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أكُونُ بسيطاً
مثلَ العُشْبِ ،
ومثلَ الماءْ ..
مَنْ علَّمني
أَنْ أَستعملَ لغةً
فيها نَزَواتُ الأَطفالِ ..
وفيها إحسَاسُ البُسَطَاءْ ..
مَنْ علَّمني
أَنَّ الشِعْرَ ، رسالةُ حُبٍّ نكتُبُها للناسِ ،
وليسَ هنالكَ شِعْرٌ لا يتوجَّهُ للإنسانْ .
من علَّمني هذي الحِكْمَة في تعريفِ الشِعْرِ ..
لكنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ...