على المركب، اكتشفت أنني قد متّ كأية مهجّرة قارب | |
أخرى. كانت الأعشاب قد بدأت تنمو في خواء جمجمتي | |
وتتدلى من ثقبي عينيّ وأنا أحدّق في الشاطئ البيروتي وهو | |
يغيب تحت ممحاة المسافات... | |
وأنا أتسلق المركب، طار شالي وهوى في البحر. راقبته | |
بذهول وهو يعوم فوق الأمواج، يتأرجح، يعلو ويهبط | |
ويغيب... وفي لحظة رؤيا، لمحت نفسي وأنا لا أزال متلفعة | |
به، ونحن نغرق معاً... | |
لا أريد وطناً | |
يربطني بالخيط | |
ويجرّني خلفه مثل كلب صغير... | |
أريد وطناً جاداً كموتي، | |
لا ينازعني أحد حقي فيه كموتي... | |
أريد وطناً أعاشر فيه الحرية بالحلال، | |
لا مهرجاناً دمويا قضبان سجنه من أصابع الديناميت... | |
لا أريد وطناً يذوي أطفاله، ووحدها الطحالب تنمو فيه، | |
وهي تقرأ آثار خطى الراحلين والمقابر الجماعية للمقتولين... |
Wednesday, 12 October 2011
ذاكرة الانهيار
الأبدية لحظة غربة
الأبدية لحظة غربة تعبنا من غربة تتشرد داخلنا ... تسافر في أوعيتنا الدموية، | |
وتركب قطارات نبضنا، وتقطع تذكرة إلى نخاع عظامنا | |
وتنتحب في عمق أعماقنا... | |
كل من يحنّ إلى مدينة يعودة إليها. ولكن ماذا يفعل من | |
يشتاق إلى مدينة لم تعد موجودة إلا في خرائب الذاكرة؟ | |
وكيف يركب آلة الزمن إليها؟ | |
كيف أقنع نفسي بأنك صرت جزءاً من مسحوق الذاكرة | |
الأبيض، المنثور في الضباب المُخَدِّر للنسيان؟ | |
ماذا أقول للطيور التي تسكننني | |
وفي أجنحتها جوع التحليق أبداً؟ | |
وهل عليَّ أن أغدر بماضينا الجميل معاً | |
رشوة لحراس مستقبلي؟ | |
*** | |
نحن الذين توهمنا اننا رحلنا يوم رحلنا... | |
نعرف أن الحلم سيسوقنا إلى خوفنا الجنون... | |
وأن الزمان الرديء يعني | |
أن يصير الحنين إلى الياسمين هذياناً... | |
والانتماء إلى الطحالب طموحاً. | |
ولكن، ما حيلتنا مع قلبنا السنونو، | |
الذي يرفض إرشادات البوصلات المزوّرة، | |
مصرّاً على التحليق صوب الربيع؟ |
أوهام
أوهام كنت اظن القمر يقطن في أعالي السماء. حتى اكتشفت ليلة | |
نزهتنا في "كورنيش المنارة" أنه يقطن في عينيك. | |
ليلتها حلّقتُ على ارتفاع ثلاثين ألف قدم.. تحت جلدك! |
للحب.. شيء آخر
للحب.. شيء آخر عندما تمتلك شيئاً آخر | |
غير ما تحفظه لأحفادك القادمين: | |
من حقد وغيرة وعملات صعبة | |
عندما تمتلك شيئاً آخر | |
كأن تسألني بذات شكوك الأصدقاء | |
من أنت؟ | |
سأحبك أكثر، وأكثر، وأكثر | |
وأقول لك بصدق الاله.. لا صدق الرفاق | |
أنا ذاك الملاك الضائع | |
في زمن القراصنة | |
ضعيف .. ضعيف دون سقوط | |
أنا قطرة مطر بكر | |
محتبسة في كبد السماء والرفعة | |
والوحل يرقبها بشغف ووضاعة | |
أنا حمامة وديعة | |
ترفرف مزهوة بثوب الحرية الناصع | |
بعيداً..بعيداً | |
وعالياً..عالياً | |
عن دنس الصيادين |
أشهد على جنوني
أشهد على جنوني غادة السمان ..... ........ ............. و اذا أنكرت حبي لك | |
تشهد أهدابي على نظرة عيني | |
المشتعلة حتى واحتك | |
و اذا تنصلت منك | |
تشهد يدي اليمنى على اليسرى | |
و أظافري على رسائل جنوني بك | |
و تشهد أنفاسي ضد رئتي .. | |
و تمضي دورتي الدموية عكس السير | |
ضد قلبي | |
و تشهد روحي ضد جسدي | |
و تشهد صورتي في مراياك | |
ضد وجهي ... | |
و تشهد الأقمار الطبيعية و الاصطناعية | |
ضد صوتي | |
*** | |
و حتى يوم أهجرك – أو تهجرني – | |
لن أملك | |
الا التفاتة صبابة صوب زمنك ... | |
لأشهد أنني أحببتك مرة ... و ما زلت | |
.... | |
26/9/1985 |
حينما يكون قلبك فراشة ...
هبطت الطائرة في مطار لندن | |
وطار قلبي ليعود فورا إليك ... | |
هدأت محركاتها | |
وانفجرت في داخلي محركات الشوق تهدر ... | |
ولحظة وعيت كم أنا بعيدة | |
أدركت ربما للمرة الأولى | |
إلى أي مدى أحبك .. | |
وتدحرج رأسي في ممرات المطار | |
_ مثل كرة هوجاء _ | |
يصطدم بكل الجدران .. | |
قيل أن أرحل قلت لنفسي : | |
لطيف وعذب أن اتذكرك وأن أشتاقك ! | |
قبل أن أرحل قلت لي : | |
يكفينا أننا نقطن كوكبا واحدا | |
ويشرق علينا قمر واحد .. | |
أيها الشقي | |
أي جنون كان أن أرحل | |
فأنت لم تعد شوقا عذبا | |
لقد نبتت لذكراك في نفسي | |
أنياب ومخالب جارحة ... | |
طويلة ليالي الفراق | |
ممدودة على طول قارتين ... | |
والتنهدات تعوم في الظلمة الشبحية | |
مثل غريق شهقاته احتضار ... | |
ها أنا اتسلق شجرة الذكرى .. | |
واقتحم مدينة الحلم .. | |
وأضرم الحرائق في روتين الشرعية | |
لتحتلني رياحك ... | |
وأنطح صخرة الوضوح والمنطق | |
بخصب الشوق ... | |
في اصبعي ما يزال أثر حرق لفافتك | |
هاهو دليل محسوس على اننا كنا معا " حقاً " | |
اعلق مشنقة كلمة " حقاً " | |
حبنا فوق الأدلة المادية | |
وسابق لها كالإيمان ! .. | |
الجمعة الحزينة | |
وأنا العاشقة الحزينة | |
وأنت مصلوب داخل جسدي | |
وأمامي في المقهى ( عاشقان ) انكليزيان جداً | |
وأمامهما صفحة الكلمات المتقاطعة ! | |
وكلما انتهيا من حل كلمة | |
يقبلها ببرود كما ينظف أسنانه | |
وبعينين مفتوحتين حتى آخرهما | |
تتأملان التلفزيون خلفها !... | |
يقبلها بلا نبض | |
ثم يعودان إلى حل أحاجي الكلمات المتقاطعة بحماس | |
لو مست شفتاك عنقي هكذا | |
لانصهرت | |
لخرج الضوء من اصابعي | |
ولفاحت من جسدي | |
رائحة البخور .. | |
لو ... | |
جلستي هزلية | |
في القطار إلى اسكوتلندا ... | |
وجهي عكس اتجاه السير | |
وعيناي مثبتتان على الجنوب | |
على الجبال التي نخلفها وراءنا | |
بينما أنا امعن ابتعاداً عنك .. | |
راحلة إلى الغد | |
وجهي إلى الماضي | |
عيناي على أيامنا الهاربة | |
وظهري للمستقبل | |
وقد استحلت صنما من الملح ! | |
الكاهن الذي تصادف وجوده إلى جانبي | |
حذرني : ستصابين بدوار | |
بدلي مقعدك | |
أيها الكاهن : فات الأوان . فات الأوان . | |
التقينا بعد الأوان | |
وافترقنا قبل الأوان | |
حتى موسم الهرب فات أوانه | |
نحن موسم الحب المجنون | |
المرفوض من مواسم الشرائع ... | |
أتذكرك في نيو كاسل | |
وأضواء المدينة الصناعية الصفر | |
الحزينة في ليل بلا قلب | |
تخثرني جلطة | |
في عروق الليل ... | |
لو ينفجر هذا الليل المحتقن | |
لو تخرج ماكينات الدينة المرعبة | |
عن قوانين الفيزياء | |
فتبكي معي وتصنع حرير القز المبلل بالدموع | |
شفافا كأغلال الشهوة ... | |
موجع أن تنام في مدينة صناعية | |
حين لا يكون قلبك مضخة | |
حين يكون قلبك فراشة | |
مغروزة بدبوس إلى جدار الفراق | |
وعبثا تخفق أجنحتها | |
وأرحل ومن أقصى الشمال أناديك | |
والريح تسخر بي على شواطىء الأطلسي | |
وأنا أعاني مخاض حبك | |
والفجر كسر قارورته | |
وظل الأطلسي مظلما وعدوانيا | |
يتهدد بتدمير كل قوارب نجاة العشاق .. | |
وكل محاولات القلب للعبور | |
ذلك العربي الذي أسمى الأطلسي | |
" بحر الظلمات " | |
تراه كان عاشقا مثلي ؟... | |
آه لو تنكسر مرآة الشوق | |
وتتفتت صورتك فيها ... | |
ليستريح قلبي _ الصخرة | |
من كلابات الذكرى | |
التي تتسلقه في عتمة الليل | |
برشاقة السجناء الهاربين ... | |
آه لو يغمى على الذاكرة .. | |
على شواطىء " بحر الظلمات " |
من رواية ذاكرة الجسد
أحلام مستغانمي |
" ما زلت أذكر قولكِ ذات يوم :
"الحب هو ما حدث بيننا. والأدب هو كل ما لم يحدث".
يمكنني اليوم, بعد ما انتهى كل شيء أن أقول :
هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب .
وهنيئا للحب أيضا ...
فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم يحدث...
ما أجمل الذي لن يحدث .
قبل اليوم, كنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها .
عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم , دون أن نتألم مرة أخرى!
عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين, دون جنون, ودون حقد أيضا .
أيمكن هذا حقاً ؟
نحن لا نشفى من ذاكرتنا .
ولهذا نحن نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا يموت بعضنا أيضا .
- أتريد قهوه ؟
يأتي صوت عتيقة غائبا, وكأنه يطرح السؤال على شخص غيري .
معتذرا دون اعتذار, على وجه للحزن لم أخلعه منذ أيام .
يخذلني صوتي فجأة ...
أجيب بإشارة من رأسي فقط .
فتنسحب لتعود بعد لحظات, بصينية قهوة نحاسيه كبيرة عليها إبريق، وفناجين, وسكريه, ومرشّ لماء الزهر, وصحن للحلويات !
في مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة في فنجان, وضعت جواره مسبقاً معلقه وقطعة سكر .
ولكن قسنطينة مدينه تكره الإيجاز في كل شيء .
إنها تفرد ما عندها دائما .تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما تعرف .
ولهذا كان حتى الحزن وليمه في هذه المدينة .
أجمع الأوراق المبعثرة أمامي , لأترك مكاناً لفنجان القهوة وكأنني أفسح مكانا لك ..!
بعضها مسودات قديمة, وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات فقط... كي تدب فيها الحياة, وتتحول من ورق إلى أيام .
كلمات فقط, أجتاز بها الصمت إلى الكلام, والذاكرة إلى النسيان, ولكن ..
تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوتي مره كما عودني حبك .
فكرت في غرابه هذا الطعم العذب للقهوة المرّة . ولحظتها فقط, شعرت أنني قادر على الكتابة عنك فأشعلت سيجارة عصبيّة, ورحت أطارد دخان الكلمات التي أحرقتني منذ سنوات, دون أن أطفئ حرائقها مرة فوق صفحه .
هل الورق مطفأة للذاكرة؟ "
Subscribe to:
Posts (Atom)