Thursday, 14 March 2013

مقدمة رواية الشوارع الخلفية .. عبد الرحمن الشرقاوى


لكل منا شئ يحتفظ به ، ويكتمه عن الآخرين  ، ولايحب ان يعرفه أحد غيره .. شئ خاص جدا ربما كان سره او حقيقته
ونحن نمضى فى حياتنا حريصين فى الغالب على ان نكون صادقين ، فلا نخدع على الاطلاق ، ونطلب الشئ نفسه من الذين يتعاملون معنا ...
ثم ... حين يخيل الينا أننا أصبحنا واضحين ، وان كل ماأمامنا مستقيم ومبين ومفهوم ن اذ بنا ندرك بغتة  أن فى الأعماق منا أشياء غامضة عديدة : حكايا لم ينفذ اليها شعاع ، ولم تضئ بعد .. شوارع خلفية فى نفوسنا هى عالم بأسره غريب عنا ، يعيش فيه حلم صغير جامح لم يتحقق .. نزوة ارتكبناها فى وقت ما .. أحقاد مبهمة .. أطماع .. انفعالات مكبوتة او أى شئ آخر لانتبينه نحن ، ولكنه يحكم كثيرا من عواطفنا ، دون ان ندرى !
والذى يحسب منا انه يقرأ صاحبه كأنما هو كتاب مفتوح ، يكتشف فجاة – من خلال كلمة او ضحكة أو ربما دمعة – ان فى صاحبه أشياء لاتزال مجهولة ، تعيش وتنمو خفية .. وهذا يحدث حتى بين الأزواج الذين تختلط منهم العواطف والتنهدات والأبدان والأنفاس وحبات العرق لسنوات طوال .. ويحدث أيضا مع اطفالنا .. أبنائنا واخواننا الصغار .. وطالما انتبهنا فاذا نحن أمام حقائق مذهلة تتفجر بها الأجساد الغضة التى عرفناها وشهدنا تدرجها فى العمر يوما بعد يوم ....
ذلك أننا لانصنع من نفوسنا فى الواقع غير الشكل الذى نختاره ونحبه ونحرص على ان نظهره ، ويظل منا بعد ذلك مالاحيلة فيه .. ولاخيار !
وفى حياتنا ، حتى فى حياة كل يوم ، تنتشر الظلال لبعض الوقت وعندما تسود الظلال فى حياتنا ، تضطرب الأشياء الثابتة وتتميع الحدود .. ولاحدود فى الظلال !
اذ ذاك يختلط الأبطال بالمزيفين ، ويتوجس الذين يملكون الكلمة الصادقة قبل أن ينطقوا بها ، لأن صدى كلمتهم يخلع كثيرا من القلوب .. ويرتفع كلام له رنين خادع ، وينحنى بعض الناس احتراما للخليعات – فالليل يستر مباذلهن – بينما يرجمون فتاة شريفة طاهرة بعد اول خطيئة .. ذلك انها ارتكبتها فى النهار فعرفوا خطيئتها ! .. ومثل هذا يحدث أيضا مع الرجال !..
وفى مثل هذه اللحظات تستخفى الحقائق وتشوه البسالة وتصبح الفضيلة عاجزة بلهاء ، تنطمس همهمتها فى الضحكات العابثة ، ويمحى الخط الفاصل بين الحماقة والكبرياء ، بين الحب والرغبة ، بين الشعوذة والجسارة ، وتتسلل العواطف المحتدمة التناقض لتحجب الطريق امام بعض العيون ، ويتخبط كثيرون فى الطريق الى المجهول .. ويبقى بعض الناس – على الرغم من كل ذلك – مدركا لمسئولية الكلمة التى يحملها ، محتفظا بالشجاعة الكافية لكى يلقى بكلمته فى وجه الخطر نفسه مهما تكن النتيجة ...
يظل بعض الناس قادرا على التمييز ومعرفة الاتجاه وسط الزحام المتموج فترتفع من بين تراب الانهيار ، مواقف مضيئة ... كأنما هى المنارات الراسخة تصفع بنورها وجه العواصف والظلمات ، وتبعث أمل الخلاص فى قلوب الذين يكابدون صراع الخفاء .. !
.........................
عبد الرحمن الشرقاوى

No comments:

Post a Comment