تم إنشاءه بتاريخ 16 مارس 2013
كتب بواسطة: د. سلمان العودة
لا تحزن على من تغيَّر عليك فجأة، فقد يكون اعتزل التمثيل، وعاد إلى شخصيته الحقيقية (سقراط).
وجدت الأم بنتها الصغيرة ملطخة اليد بأحمر الشفاه "الروج" فضربتها، ثم خرجت لتجد مكتوبًا على الباب "أحبك ماما"!
رجعت الأم لتضرب ابنتها مرة أخرى لماذا تشوه الباب؟!
لم تكن مشاعر الأم الحقيقية هي التي أقدمت على تجاهل تعابير الحب، بل هو الدور التمثيلي التربوي.
كلما كان الإنسان عفويًّا بعيدًا عن التكلف كان أكثر محاكاة لذاته.
عشرات الفنانين الكوميديين يخفون حالات اكتئاب حادة وينتهون بالانتحار.
مَن يمثل دور السعيد المبتسم قد يخفي خلف أسنانه البيضاء اللامعة الكثير من التعاسة.
في العلاقات الرومانسية بين خطيب وخطيبته يتحقق دور تمثيلي لجذب الانتباه.
أؤدي الدور الذي تريده لتؤدي الدور الذي أريده.
شخص يشعرني بأنني مميز ومستحق للحب ويلبي احتياجاتي، وسوف أؤدي الدور الذي يطلبه مني.
اتفاق غير معلن، وغير واعٍ في أحيان كثيرة، يقود إلى قرارات غير مدروسة.
الوقوع في الحب غالبًا لا يخلو من وهم سببه تكثيف "الأنا" وحاجتها.
دور العاشق والمعشوق يصنع علاقات كثيرة بين الشباب والفتيات، تقدم القليل من المتعة الحاضرة والكثير من الأسف والألم والصدمة.
على النقيض قد نمارس تمثيل "النسيان"، ونحاول أن نسلو، ومع أول مشاهدة أثر أو سماع اسم أو نفثة عطر تستيقظ المشاعر المدفونة.
وَداعٍ دَعا إِذ نَحنُ بِالخَيفِ مِن مِنى ... فَهَيَّجَ لَوعاتِ الفُؤادِ وَما يَدري
دَعا بِاِسمِ لَيلى غَيرَها فَكَأَنَّما ... أَطارَ بِلَيلى طائِرًا كانَ في صَدري
كثير من الأطفال يخفون غضبهم من والديهم، لأنهم يفتقدون الدفء في العاطفة وشحنات الحب.
الطفل يريد أن يكون والداه كائنين عفويين، وليس مجرد "ممثلين"، حتى لو كان التمثيل بارعًا.
قد تعمل أشياء كثيرة من أجل طفلك، وهذا جيد، ولكنه ليس كافيًا إذا أهملت من تكون أنت؟ ومن يكون هو؟
ليس حسناً أن تكون الرسالة لأولادك: "لأني أبوكم.. لأني مثالي وجيد.. عليكم أن تكونوا وتكونوا!".
لماذا يقضي بعضنا عمره يلعن السجائر، وعلبة السجائر في جيبه؟
ولماذا نظل ننتقد الأجهزة الحديثة وهيمنتها، بينما نحن نحتضنها؟
تمثيل دور المحارب والمجادل عن الحقيقة، بينما الدافع هو تحقيق معنى "أنا موجود".
كثيرون يدقِّقون في نوايا الناس والخصوم، ولكنهم يرفضون التشكيك في نواياهم، أو مراجعة مقاصدهم.
المعارك تكرس الأنا، ذلك السبع الرابض المختفي وراء بعض تصرفاتنا
الشرعية والأخلاقية التي قد نظن فيها الإخلاص, وننسى ما هو كامن في
اللاوعي، اللاشعور، من الشهوة الخفية، كما يسمِّيها شدَّاد بن أوس رضي الله
عنه.
يبدو الليبرالي الشهير شخصية ديمقراطية حوارية حين تهب الرياح لصالحه،
ويبدو شرساً داعياً إلى الفوضى والتدخل الأجنبي أو العسكري حين تضعف حظوظه.
كما يبدو الإسلامي حقوقيًّا معتدلًا في العديد من الحالات، ولكنه يخفق
في أول اختبار حين تتعارض القيم مع المصالح الفردية أو الفئوية.
ندّعي أن الخلاف لا يفسد للود قضية، بينما نتداعى إلى الصواريخ العابرة عند أول بادرة اختلاف.
أحد الثرثارين ذكر عبارة لشكسبير ونسبها للإنجيل، فاعترض عليه كارنيجي
وأصرّ الرجل، واحتكموا إلى رجل متخصِّص في أدب شكسبير كان في المجلس، فقال:
إنها من الإنجيل، ثم همس لكارنيجي: إنها من رواية "هاملت" لشكسبير، ولكن
إياك أن تبلغ الزاوية الحرجة في مجادلة أحد، فتجرح كرامته.
(2)
صار مبدأ كارنيجي: اكسب الجدل بأن تتجنبه.
وفي السُّنة: "أنا زعيم (ضامن) ببيت في رَبَض الجنة (أدناها) لمن ترك المراء وإن كان محقّاً". (أخرجه أبو داود، وحسّنه الألباني).
وفي جامع الترمذي، وسنن ابن ماجه: "مَن ترك المراء وهو محقٌّ، بنى الله له بيتاً في وسط الجنة". والأول أقوى.
لن تسمح الأنا لأحد بانتقاصها؛ فثمَّة حارس يحرسها من الانتهاك.
عندما ينتقدني أحد أو يلومني، فإن ذلك يُعد نقصاً للنفس، وستحاول "الأنا" أن تصلح الإحساس النفسي بالتبرير والدفاع واللوم.
وسواء كان الآخر على صواب أم لا، فالأنا مهتمة بالحفاظ على النفس أكثر من الحقيقة.
أن يصيح في وجهك شخص يقود سيارته: يا أبله، يا معتوه.. فهذا يعتبر آلية إصلاح غير واعية للأنا عن طريق الغضب.
شاب يقود سيارة ضخمة، تجاهل أسبقية سائق سيارة متواضعة، فلحق به السائق
الظريف، وقال وهو يضحك: لماذا هذا؟ هل لأن سيارتي صغيرة؟ هل أنا "ابن
الشغالة"؟!
الطرافة لا تعني أن نسمح بلفظة عنصرية تتعلق بالأم أن تمر.
الغضب يسبب تضخماً كبيراً ومؤقتاً للأنا، وكل المتطرفين في اختلالهم الوظيفي يخوضون تجربة العنف الجسدي..
الدور المشهور جدّاً هو دور الضحية المضطهدة التي تبعث على الشفقة
والعطف، وتثير اهتمام الآخرين بمشكلاتها وقصتها ورحلة آلامها التي لا
تتوقف.
رؤية المرء لنفسه على أنه ضحية بسبب كونه تعرض لانتهاك جسدي أو عاطفي أو نفسي، أو لأنه تربى على التذمر.
أحياناً نمارس التمثيل مع أنفسنا لكي نرتاح!
أن تقوم بما هو مطلوب منك في أي موقف دون أن يصحب ذلك "دور" فهو درس مهم في فن العيش الضروري.
أنت تصبح أكثر قوة إذا قمت بإنجاز العمل لأجل العمل فقط، وليس كوسيلة لتعزيز وحماية وتأكيد هويتك ودورك.
وجدت في المواقع الإلكترونية ملخصات لكتاب "الادّعاء وخداع النفس" تأليف
آر دي لانج، ترجمة د. عادل ندى، وهو مؤلف في الفلسفة والفن والسياسة أكثر
مما هو في علم النفس، ينطوي على العديد من النماذج والتطبيقات المفيدة.
التخلّي عن التمثيل صعب، ومهم، وأصدق ما يكون الإنسان مع نفسه في تلك اللحظة التي يؤمن فيها الكافر ويعيا فيها الشاعر!
حين يكون وجهاً لوجه أمام رحلة الآخرة.
هل الحياة مسرح؟ و كلنا ممثلون؟ وفي النهاية تسقط الأقنعة؟
{لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (ق:22).
الناس موتى فإذا ماتوا انتبهوا!
في المضايق والأزمات تظهر الحقيقة كاملة.
بعدما تموت ماذا سيقول الناس عنك؟
وكن رجلًا إن أتوا بعده ... يقولون مرّ، وهذا الأثر!
تظل الـ"أنا" حية حتى بعد موتك!
أحدهم كان يطمع أن يكثر الناس في جنازته، ليقال: جنازة مشهودة!
No comments:
Post a Comment